فصل: مُنْكَر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مُنْكَر

التّعريف

1 - المنكر لغةً‏:‏ بضمّ الميم وسكون النون اسم مفعول من أنكر وهو‏:‏ خلاف المعروف‏.‏ والمنكر‏:‏ الأمر القبيح‏.‏

وأنكرت عليه فعله إنكاراً‏:‏ إذا عبته ونهيته، وأنكرت حقّه‏:‏ جحدته‏.‏

والمنكر في الاصطلاح‏:‏ ما ليس فيه رضا اللّه من قول أو فعل‏.‏

والمنكر من الحديث‏:‏ الفرد الّذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه فلا متابع له فيه بل ولا شاهد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المعروف‏:‏

2 - المعروف في اللغة‏:‏ الخير والرّفق والإحسان، وهو ضد المنكر‏.‏

المعروف اصطلاحاً‏:‏ هو ما قبله العقل وأقرّه الشّرع ووافقه كرم الطّبع‏.‏

والصّلة بين المنكر والمعروف التّضاد‏.‏

ب - المعصية‏:‏

3 - المعصية لغةً‏:‏ الخروج من الطّاعة ومخالفة الأمر‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ مخالفة الأمر قصداً‏.‏

والعلاقة بين المنكر والمعصية أنّ المنكر أعم من المعصية‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ المنكر منهيّ عنه، وقد ثبت النّهي عن المنكر بالكتاب والسنّة والإجماع‏.‏

فمن الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‏}‏‏.‏

ومن السنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»‏.‏

وحكى النّووي الإجماع على وجوب النّهي عن المنكر‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف / 3‏)‏‏.‏

5 - واختلف الفقهاء في حكم النّهي عن المنكر هل هو فرض عين أو فرض كفاية، أو نافلة ‏؟‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف / 3‏)‏‏.‏

شروط المنكر

6 - يشترط في المنكر المطلوب تغييره ما يلي‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ أن يكون محظوراً في الشّرع‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون المنكر موجوداً في الحال، بأن يكون الفاعل مستمراً على فعل المنكر، فإن علم من حاله ترك الاستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ أن يكون المنكر ظاهراً بغير تجسسٍ‏.‏

الشّرط الرّابع‏:‏ أن يكون المنكر معلوماً بغير اجتهاد، أي أن يكون المنكر مجمعاً على تحريمه‏.‏

وقال الغزالي‏:‏ ولا يقتصر الإنكار على الكبيرة، بل يجب النّهي عن الصّغائر أيضاً‏.‏

قال الزرقاني‏:‏ يشترط في المنكر الّذي يجب تغييره معرفته، وأن لا يؤدّي ذلك إلى ما هو أعظم منه مفسدةً، وأن يظنّ الإفادة‏.‏

والأوّلان شرطان للجواز، فيحرم عند فقدهما، والثّالث للوجوب، فيسقط عند عدم ظنّ الإفادة، ويبقى الجواز إن لم يتأذّ في بدنه أو عرضه، وإلّا انتفى الجواز أيضاً‏.‏

ويشترط أيضاً في المنكر الّذي يجب تغييره‏:‏ أن يكون ممّا أجمع على تحريمه، أو ضعف مدرك القائل بجوازه، وأمّا ما اختلف فيه فلا ينكر على مرتكبه إن علم أنّه يعتقد تحليله بتقليده القائل بالحلّ‏.‏

ولا يشترط في النّهي عن المنكر إذن الإمام ولا عدالة الآمر أو النّاهي على المشهور، لحديث أنس بن مالك قال‏:‏ «قلنا يا رسول اللّه لا نأمر بالمعروف حتّى نعمل به ولا ننهى عن المنكر حتّى نجتنبه كلّه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كلّه»‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏حسبة ف / 28 - 33‏)‏‏.‏

شروط الإنكار

7 - من شروط الإنكار‏:‏ أن يغلب على ظنّه أنّه لا يفضي إلى مفسدة، وأن يأمن على نفسه وماله خوف التّلف‏.‏

وللتّفصيل انظر ‏(‏الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف / 4‏)‏‏.‏

الإنكار بغلبة الظّنّ

8 - قال القرطبي‏:‏ للظّنّ حالتان، حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الدّلالة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشّريعة مبنيّة على غلبة الظّنّ، كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات‏.‏

والحالة الثّانية أن يقع في النّفس شيء من غير دلالة، فلا يكون ذلك أولى من ضدّه، فهذا هو الشّك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه‏.‏

وقال العز بن عبد السّلام‏:‏ يجب إنكار المنكر في مثل الحالات التّالية‏:‏

الأولى‏:‏ لو رأى إنساناً يسلب ثياب إنسان لوجب عليه الإنكار عليه بناءً على الظّنّ المستفاد من ظاهر يد المسلوب‏.‏

الثّانية‏:‏ لو رأى رجلاً يجر امرأةً إلى منزله، يزعم أنّها زوجته وهي تنكر ذلك، فإنّه يجب الإنكار عليه، لأنّ الأصل عدم ما ادّعاه‏.‏

الثّالثة‏:‏ لو رأى إنساناً يقتل إنساناً، يزعم أنّه كافر حربيّ دخل إلى دار الإسلام بغير أمان وهو يكذّبه في ذلك لوجب عليه الإنكار ؛ لأنّ اللّه خلق عباده حنفاء، والدّار دالّة على إسلام أهلها لغلبة المسلمين عليها، ففي هذه الحالات وأمثالها يعمل بالظنون، فإن أصاب من قام بها فقد أدّى ما أوجب اللّه عليه إذا قصد بذلك وجه اللّه تعالى، وإن لم يصب كان معذوراً ولا إثم عليه في فعله‏.‏

أقسام المنكر

9 - المنكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ ما كان من حقوق اللّه تعالى‏.‏

والثّاني‏:‏ ما كان من حقوق الآدميّين‏.‏

والثّالث‏:‏ ما كان مشتركاً بين الحقّين‏.‏

فأمّا النّهي عن المنكر في حقوق اللّه تعالى فعلى ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ ما تعلّق بالعبادات، والثّاني‏:‏ ما تعلّق بالمحظورات، والثّالث‏:‏ ما تعلّق بالمعاملات‏.‏

وانظر تفصيل حكم كلّ فرع منها في مصطلح ‏(‏حسبة ف / 34‏)‏‏.‏

وجود المنكر في الوليمة

10 - ذهب الفقهاء إلى أنّ وجود المنكر في الوليمة يبيح عدم إجابة المدعوّ إليها، إلّا إذا غلب على ظنّه أنّه يستطيع إزالة هذا المنكر وذلك في الجملة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏وليمة‏)‏‏.‏

إباحة الغيبة لتغيير المنكر

11 - قال النّووي‏:‏ تباح الغيبة بستّة أسباب، وعدّ منها‏:‏ الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر‏:‏ فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً‏.‏

وانظر مصطلح ‏(‏غيبة ف / 10‏)‏‏.‏

الكتابة إلى ذي ولاية لتغيير المنكر

12 - جاء في الفتاوى الهنديّة للحنفيّة‏:‏ رجل علم أنّ فلاناً يتعاطى من المنكر هل يحل له أن يكتب إلى أبيه بذلك ‏؟‏ قالوا‏:‏ إن كان يعلم أنّه لو كتب إلى أبيه يمنعه الأب من ذلك ويقدر عليه يحل له أن يكتب، وإن كان يعلم أنّ أباه لو أراد منعه لا يقدر عليه فإنّه لا يكتب‏.‏

وكذلك فيما بين الزّوجين وبين السلطان والرّعيّة والحشم إنّما يجب الأمر بالمعروف إذا علم أنّهم يستمعونه‏.‏ كذا في فتاوى قاضي خان‏.‏

ولو أراد الأب أن يأمر ولده بشيء ويخاف أنّه لو أمره لا يمتثل أمره يقول له‏:‏ يا ولدي إن فعلت كذا أو إن لم تفعل كذا يكون حسناً، ولا يأمره حتّى لا يلحقه عقوبة العقوق‏.‏

إظهار أهل الذّمّة المنكر في دار الإسلام

13 - يتضمّن عقد الذّمّة شروطاً يلزم أهل الذّمّة الالتزام بها ومنها عدم إظهار المنكر‏.‏ وللتّفصيل أنظر مصطلح ‏(‏أهل الذّمّة ف / 9‏)‏‏.‏

التّدرج في النّهي عن المنكر

14 - تغيير المنكر له مراتب إذ يتدرّج من التّنبيه والتّذكير إلى الوعظ والتّخويف، ثمّ الزّجر والتّأنيب، ثمّ التّغيير باليد، ثمّ إيقاع العقوبة بالنّكال والضّرب، وأخيراً الاستعداء ورفع الأمر إلى الحاكم‏.‏

وللتّفصيل أنظر مصطلح ‏(‏حسبة ف / 42 - 48‏)‏‏.‏

صور من المنكرات

أ - منكرات المساجد‏:‏

15 - قال الغزالي‏:‏ ممّا يشاهد كثيراً في المساجد إساءة الصّلاة بترك الطمأنينة في الركوع والسجود وهو منكر مبطل للصّلاة فيجب النّهي عنه، ومن رأى مسيئاً في صلاته فسكت عليه فهو شريكه في الحرمة، هكذا ورد الأثر عن بعض الصّحابة، وفي الخبر النّبويّ ما يدل عليه فقد ورد في الحديث‏:‏ «المغتاب والمستمع شريكان في الإثم»‏.‏

وكذلك كل ما يقدح في صحّة الصّلاة من نجاسة على ثوبه أو بدنه أو موضع الصّلاة لا يراها، أو انحراف عن سمت القبلة بسبب ظلام أو عمى البصر فكل ذلك تجب الحسبة فيه ويجب إرشاده بذلك‏.‏

ومنها‏:‏ قراءة القرآن باللّحن أي بالخطأ يجب النّهي عنه، ويجب تلقين الصّحيح وتكراره له حتّى يعرفه‏.‏

ومنها تراسل المؤذّنين في الأذان وتطويلهم في كلماته، بحيث يضطرب على الحاضرين جواب الأذان لتداخل الأصوات، فكل ذلك منكرات مكروهة يجب تعريفها إيّاهم وإرشادهم إلى ما يسن في الأذان وآدابه‏.‏

ومن منكرات المساجد‏:‏ كلام القصّاص والوعّاظ الّذين يمزجون بكلامهم البدعة ممّا ليس في سيرة السّلف، فالقاص إن كان يكذب في أخباره للحاضرين فهو فسق، والإنكار عليه واجب لئلّا يعتمد على ما يذكره‏.‏

وكذا الواعظ المبتدع يجب منعه، ولا يجب حضور مجلسه إلّا على قصد الإنكار والرّدّ عليه في بدعته‏.‏

ومنها‏:‏ قراءة القرآن بين يدي الوعّاظ على الأرض أو على الكراسيّ، مع التّمديد المفرط وهو تمطيط الحروف حتّى تتجاوز عن مخارجها الأصليّة، على وجهٍ بغير نظم القرآن ويجاوز حدّ التّرتيل المأمور به، فهذا منكر قبيح مكروه شديد الكراهة أنكره جماعة من السّلف منهم أحمد بن حنبل‏.‏

ومنها الحلق أي اتّخاذها يوم الجمعة وهي جمع حلقة لبيع الأدوية والأطعمة والتّعويذات والمصنوعات من الحليّ والخرز‏.‏

وكقيام السُّؤّال في وسط الصفوف، أو على الأبواب، وقراءتهم القرآن ونشيدهم الأشعار، فهذه الأشياء منها ما هو حرام لكونه تلبيساً أو كذباً، فهذا حرام في المسجد وخارج المسجد، ويجب المنع منه، وخصوصاً في المسجد فإنّه لم يبن لذلك، بل كل بيع فيه كذب وتلبيسٌ وإخفاء عيب من عيوبه على المشتري فهو حرام‏.‏

ومنها‏:‏ دخول المجانين والصّبيان والسّكارى في المسجد، فإنّ هؤلاء مسلوبو الاختيار لا يتحفّظون على أنفسهم، فالمجانين قد يخشى منهم تلويث المسجد بنحو مخاط أو بول، أو شتمهم ونطقهم بما هو فحشٌ، أو تعاطيهم لما هو منكر ككشف العورة‏.‏

ومنها‏:‏ خروج المرأة إلى المسجد متزيّنةً متعطّرةً، فهذا منكر لا يسكت عليه‏.‏

ومنها‏:‏ أن يأكل الثوم أو البصل ويأتي إلى المسجد‏.‏ وقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في حديث جابر رضي الله عنه‏:‏ «من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه الإنس»‏.‏

ب - منكرات الأسواق‏:‏

16 - من المنكرات المعتادة في الأسواق‏:‏ الكذب في المرابحة، وإخفاء العيب في السّلع، وكذا في الشّروط الفاسدة المعتادة بين النّاس يجب الإنكار فيها فإنّها مفسدة للعقود أو مبطلة على رأي، وكذا في الرّبويّات كلّها وهي غالبة في الأسواق، وكذا سائر التّصرفات الفاسدة فإنّه يجب الإنكار فيها، ومنها بيع الملاهي أي آلاتها كالعود والقانون والطنبور والرّبابة، فلذلك يجب كسرها والمنع من بيعها كالملاهي، وكذا بيع ثياب الحرير وقلانس الذّهب والحرير الّتي لا تصلح للرّجال، ويعلم بعادة البلد أنّه لا يشتريه إلّا الرّجال، فكل ذلك منكر محظور يجب المنع عنه‏.‏

ج - منكرات الشّوارع‏:‏

17 - الشّوارع هي الطرق العامّة شرعت لسلوك النّاس ومرورهم فيها لحاجاتهم‏.‏

فمن المعتاد فيها وضع الأسطوانات وهي الأعمدة سواء كانت من حجر أو خشب أو بناء، وكذا غرس الأشجار، ووضع الخشب، ووضع أحمال الحبوب والأطعمة على الطرق، فكل ذلك منكر إن كان يؤدّي إلى تضييق الطرق واستضرار المارّة بها‏.‏

وكذلك ربط الدّوابّ على الطّريق بحيث يضيق على المارّة وينجّس المجتازين بالبول والرّوث، فهذا منكر يجب المنع منه إلّا بقدر حاجة النزول والركوب‏.‏

وكذلك تحميل الدّوابّ من الأحمال ما لا تطيقها منكر يجب منع الملّاك منه، ويؤمر بتخفيفها‏.‏ وكذلك القصّاب إذا كان يذبح في الطّريق،فيلوّث الطّريق بالدّم والفرث منكر يجب المنع منه‏.‏ وكذلك طرح القمامة مثل الحيوان الميّت من هرّة أو دجاجة على جوانب الطّريق كل ذلك من المنكرات‏.‏

وكذلك إرسال الماء من المزاريب، وهي مسايل المياه من السطوح‏.‏

وكذلك إن كان له كلب عقور على باب داره يؤذي النّاس ويعقرهم فهذا منكر يجب منعه منه؛ لأنّ الشّوارع إنّما جعلت مشتركة المنافع بين النّاس‏.‏

د - منكرات الحمّامات‏:‏

18 - منكرات الحمّامات كثيرة، منها‏:‏ الصور الّتي تكون على باب الحمّام، أو داخل الحمام يجب إزالتها على كلّ من يدخلها إن قدر، فإنّه منكر‏.‏

ومن منكرات الحمّامات كشف العورات والنّظر إليها قصداً، ومن جملتها كشف الدّلّاك عن الفخذ وما تحت السرّة في تنحية الوسخ، بل من جملتها إدخال اليد تحت الإزار، فإنّ مسّ عورة الغير حرام كالنّظر إليها، فهذا كله مكروه ومنكر‏.‏

وكذلك كشف العورة للحجّام والفصّاد الذّمّيّ، فإنّ المرأة لا يجوز لها أن تكشف بدنها للذّمّيّات في الحمّام‏.‏

ومنها أن يكون في مداخل بيوت الحمّام ومجاري مياهها حجارة ملسٌ مزلقة للأقدام، فهو منكر يجب قلعه وإزالته وينكر على الحمّاميّ إهماله‏.‏

وكذلك ترك السّدر والصّابون المزلق للأقدام على أرض الحمّام منكر يجب إزالته‏.‏

هـ - منكرات الضّيافة‏:‏

19 - من منكرات الضّيافة فرش الحرير للرّجال فهو حرام، وكذلك تبخير البخور في مجمرة فضّة أو ذهب، أو الشّرب منهما أو استعمال ماء الورد منهما‏.‏

ومنها إسدال الستور وعليها الصور‏.‏

ومنها سماع الأوتار أو سماع القينات فإنّه منكر مسقطٌ لوجوب الدّعوة‏.‏

ومنها اجتماع النّساء على السطوح وفي الرّواشن المشرفة على مقاعد الرّجال للنّظر للرّجال، فكل ذلك محظور ومنكر يجب تغييره‏.‏

ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج عن ذلك المجلس، فلا رخصة في مشاهدة المنكرات‏.‏ ومنها أن يكون في الضّيافة مبتدع يتكلّم في بدعته، ويحمل النّاس عليها، فإن كان المتكلّم يضحك بالفحش والكذب لم يجب الحضور، وعند الحضور يجب الإنكار‏.‏

ومنها الإسراف في الطّعام فإنّه منكر‏.‏

ومنها صرف المال إلى النّائحة في الموت، والغناء والطّرب في الأفراح فهذه منكرات كلها‏.‏

و - المنكرات العامّة‏:‏

20 - قال الغزالي‏:‏ اعلم أنّ كلّ قاعد في بيته أينما كان فليس خالياً في هذا الزّمان عن منكر، من حيث التّقاعد عن إرشاد النّاس وتعليمهم وحملهم على المعروف، وكل من رأى منكراً من مناكير الشّرع على الدّوام، أي من تيقّن أنّ في السوق منكراً، أو في وقتٍ بعينه، وهو قادر على تغييره باليد أو باللّسان فلا يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود في البيت، بل يلزمه الخروج‏.‏

فإن كان لا يقدر على تغيير الجميع، وهو يحترز عن مشاهدته، ويقدر على تغيير البعض لزمه الخروج‏.‏ وإنّما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر إذا كان من غير غرض صحيح‏.‏

فحق على كلّ مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرّمات، ثمّ يعلّم ذلك أهل بيته‏:‏ زوجته وولده وخادمه، ثمّ يتعدّى عند الفراغ منهم إلى جيرانه ثمّ إلى محلّته، ثمّ إلى أهل بلده، ثمّ إلى السّواد - أي الرّيف - المكتنف لبلده، أي‏:‏ المحيط به، فينهى عن المنكر بقدر استطاعته، فإنّه مأجور ومثاب إن شاء اللّه‏.‏

مَنّ

التّعريف

1 - المنّ لغةً يطلق على معانٍ عدّة‏:‏ فيطلق على الإنعام، وعلى تِعداد الصّنائع، كأن يقول‏:‏ أعطيتك كذا وفعلت بك كذا‏.‏

كما يطلق على مكيال أو ميزان‏.‏

وعلى قطع الشّيء‏:‏ من مننت الحبل‏:‏ قطعته فهو ممنون‏.‏

وعلى شيء ينزل من السّماء يشبه العسل قال تعالى في معرض الامتنان على بني إسرائيل‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى‏}‏‏.‏

والمنّة بالضّمّ‏:‏ الضّعف والقوّة من أسماء الأضداد‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمنّ

تتعلّق بالمنّ أحكام منها‏:‏

أ - المن باعتباره مقداراً شرعيّاً‏:‏

2 - اختلف الفقهاء في تحديد مقدار المنّ فذهب الحنفيّة إلى أنّ المدّ رطلان، والرّطل نصف منّ، والمن بالدّراهم مائتان وستون درهماً، وبالمثاقيل أربعة ونصف فالمد والمن سواء، كل منهما ربع صاع، رطلان بالعراقيّ والرّطل مائة وثلاثون درهماً‏.‏

وضبط الإمام الرّافعي من أئمّة الشّافعيّة الأوسق الخمسة الّتي هي نصاب القوت بالمنّ، ولم يضبطها بالأرطال لا بالبغدادية ولا الدّمشقيّة بقوله‏:‏ والأوسق الخمسة بالمنّ الصّغير‏:‏ ثمانمائة من، وبالمنّ الكبير الّذي وزنه ستمائة درهم‏:‏ ثلاثمائة وأربعون مناً وثلثا منّ، وقال الخطيب الشّربيني‏:‏ واستفدنا من ذلك أنّ الرّطل الدّمشقيّ مساوٍ للمنّ الكبير، وأنّ المنّ الصّغير مساوٍ رطلين بالبغداديّ‏.‏

ب - المن بمعنى ذكر النّعمة على الغير‏:‏

حكم المنّ‏:‏

3 - المنّ إن كان من اللّه فهو تذكير المخلوق بخالقه الّذي أنعم عليه، وتنبيهه ليشكره، وفي الدعاء المأثور‏:‏ «اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان»‏.‏

وإن كان المن من العبد فهو تعداد الصّنائع والتّقريع بها والتّعيير وهي من الكبائر، وتبطل ثواب الصّدقة‏.‏

فقد دلّ القرآن الكريم بالنّصّ والإيماء بأنّ المنّ والأذى يبطلان ثواب الصّدقة، حيث بيّن فضل الإنفاق في سبيل اللّه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ثمّ أخبر في الآية التّالية أنّ الإنفاق المذكور الّذي يضاعف ثوابه لصاحبه هو الإنفاق الّذي يخلو عن المنّ والأذى، فقال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ والمفهوم من ذلك أنّ الّذين يتبعون ما أنفقوا مناً وأذًى ليس لهم عند ربّهم أجر ولا أمن من الخوف والحزن‏.‏

ثمّ بيّن سبحانه وتعالى أنّ كلمةً طيّبةً ورداً جميلاً والدعاء للسّائل والتّأنيس والتّرجية بما عند اللّه خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة، وفي حقيقتها لا شيء ؛ لأنّ ذكر القول المعروف فيه أجر، وهذه لا أجر لها، قال صلى الله عليه وسلم‏:‏«الكلمة الطّيّبة صدقة»، و «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، فيتلقّى المسئُول السّائل بالبشر والتّرحيب ويقابله بالطّلاقة والتّقريب ؛ ليكون مشكوراً إن أعطى، ومعذوراً إن منع، فالسّتر منه عليه لما علم من خلّته وسوء حاله خير عند اللّه من صدقة يتصدّقها عليه، ويتبعها أذىً ومناً‏.‏ قال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ‏}‏‏.‏

ثمّ ذكر القرآن الكريم بعد ذلك بالنّصّ حكم الصّدقة الّتي يتبعها المن والأذى في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

فشبّه سبحانه الّذي يمن ويؤذي في صدقته بالّذي ينفق ماله رئاء النّاس لا لوجه اللّه، وبالكافر الّذي ينفق ماله ليقال‏:‏ إنّه جواد ويثنى عليه أنواع الثّناء‏.‏

ومثّل سبحانه المنفق المنّان بصفوان - حجر أملس - عليه تراب، فيظنه الرّائي أرضاً منبتةً طيّبةً، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلداً، فكذلك المرائي والمنّان، فالمن والرّياء والأذى تكشف عن النّيّة في الآخرة كما يكشف المطر الغزير عن الحجر الأملس‏.‏

وقيل‏:‏ المراد بالآية إبطال الفضل دون أصل الثّواب، وقيل‏:‏ إنّما يبطل من ثواب صدقته من وقت منّه وإيذائه، وما قبل ذلك يكتب له ويضاعف، فإذا منّ وأذى انقطع التّضعيف ؛ لأنّه ورد «أنّ الصّدقة تربّى لصاحبها حتّى تكون أعظم من الجبل»، فإذا خرجت من يد صاحبها خالصةً لوجه اللّه ضوعفت، فإذا جاء المن بها والأذى وقف بها هناك وانقطع التّضعيف عنها، والقول الأوّل أظهر‏.‏

وقد جاء في السنّة الصّحيحة أنّ المنّان لا يكلّمه اللّه ولا ينظر إليه، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه‏:‏ «ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم‏.‏ قال أبو ذر‏:‏ خابوا وخسروا، من هم يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ المسبل، والمنّان، والمُنَفِّق سلعته بالحلف الكاذب»‏.‏

رفض التّبرع خوفاً من المنّة

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز للمكلّف عدم قبول التّبرع وإن تعيّن لأداء فرض حيث قالوا‏:‏ إذا لم يجد المكلّف ماءً للطّهارة بعد دخول الوقت أو لم يجد ما يشتري به فوهب له شخص الثّمن لم يجب قبوله لما فيه من المنّة‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ لو وهب ثمن الماء أو ثمن آلة الاستقاء أو أقرض ثمن ذلك - وإن كان موسراً بمال غائب - فلا يجب قبوله لعظم المنّة ولو من الوالد لولده‏.‏

أمّا إن وُهب له الماء أو أعير آلة الاستسقاء فيجب عليه قبوله عند المالكيّة والشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة لأنّ المسامحة بذلك غالبة فلا تعظم فيه المنّة‏.‏

إلّا أنّ المالكيّة قيّدوا اللزوم بما إذا لم يتحقّق منه منّة قالوا‏:‏ وهذا في منّة يظهر لها أثر وأمّا التّافه فيلزمه قبوله‏.‏

والقول الثّاني عند الشّافعيّة‏:‏ لا يجب قبول الماء للمنّة كالثّمن‏.‏

وقال أبو حنيفة في ظاهر الرّواية وأبو يوسف ومحمّد‏:‏ يجب عليه سؤال رفيقه الماء والدّلو ولا يتيمّم حتّى يسأله فإن منعه تيمّم لأنّ الماء مبذول عادةً فكان الغالب الإعطاء وقال الحسن بن زياد من الحنفيّة بناءً على ما رواه عن أبي حنيفة في غير ظاهر الرّواية‏:‏ لا يجب عليه السؤال لأنّ في السؤال ذلاً وفيه بعض الحرج وما شرع التّيمم إلّا لدفع الحرج‏.‏ وفي الذّخيرة نقلاً عن الجصّاص‏:‏ أنّه لا خلاف - في غير ظاهر الرّواية - بين أبي حنيفة وصاحبيه فمراد أبي حنيفة من عدم اللزوم فيما إذا غلب على ظنّه منعه إيّاه ومراد الصّاحبين في لزومه عند غلبة الظّنّ بعدم المنع‏.‏

جاء في البحر‏:‏ أنّه إذا كان له مال غائب وأمكنه الشّراء بثمن مؤجّل وجب عليه الشّراء بخلاف ما إذا وجد من يقرضه فإنّه لا يجب عليه لأنّ الأجل لازم في الشّراء ولا مطالبة قبل حلوله بخلاف القرض‏.‏

5 - نصّ الشّافعيّة على أنّه إن تبرّع رجل بنفقة زوجه المعسر العاجز عن إنفاقها لم يلزمها القبول ولها الفسخ لعدم النّفقة لعظم المنّة كما لو كان لها دين على شخصٍ فتبرّع غيره بأدائه لها لا يلزمه القبول لما فيه من المنّة وحكى ابن كج وجهاً‏:‏ أنّه لا خيار لها وبه أفتى الغزالي لأنّ المنّة على الزّوج لا عليها ولو سلّمها المتبرّع للزّوج ثمّ سلّمه الزّوج لها لم يفسخ ولو كان المتبرّع أباً أو جداً والزّوج تحت حجره وجب عليها القبول‏.‏

المنّ على الأسرى

6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ للإمام أن يمنّ على أسرى الحرب من الرّجال البالغين إن رأى مصلحةً في المنّ عليهم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أسرى ف / 17‏)‏‏.‏

مَنِيحَة

التّعريف

1 - المنيحة في اللغة يقال‏:‏ منحته منحاً من باب نفع وضرب‏:‏ أعطيته والاسم المنيحة والمنيحة كالمِنْحة بكسر الميم‏:‏ هي الشّاة أو النّاقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها ثمّ يردها إذا انقطع اللّبن ثمّ كثر استعماله حتّى أطلق على كلّ عطاء‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي ما يعطى من النّخل والنّاقة والشّاة وغيرها ليتناول ما يتولّد منه كالثّمر واللّبن وهي عارية وقد تكون تمليكاً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العارية‏:‏

2 - العارية مأخوذة من عار‏:‏ ذهب وجاء بسرعة أو من التّعاور‏:‏ أي التّناوب‏.‏

والعارية في الاصطلاح عرّفها الفقهاء بتعريفين‏:‏

أوّلهما‏:‏ هي إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليردّه‏.‏

والثّاني‏:‏ هي تمليك المنافع بغير عوض‏.‏

والصّلة بينهما أنّ المنيحة نوع من أنواع العارية‏.‏

ب - العمرى‏:‏

3 - العمرى هي‏:‏ تمليك منفعة شيء مملوك - عقاراً أو غيره - إنساناً أو غيره في حياة المعطى - بفتح الطّاء - بغير عوض‏.‏

والصّلة بينهما‏:‏ أنّ المنيحة خاصّة بلبن شاة أو بقرة أو ناقة وترد لصاحبها أمّا العمرى فتكون منفعتها مدّة العمر‏.‏

ج - الهبة‏:‏

4 - الهبة‏:‏ تمليك عين بلا عوض في حالة الحياة تطوعاً‏.‏

والصّلة بينها وبين المنيحة‏:‏ أنّ الهبة أعم من المنيحة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمنيحة

يتعلّق بالمنيحة أحكام منها‏:‏

أ - التّرغيب في المنيحة‏:‏

5 - إعطاء المنيحة من أعمال البرّ والإحسان رغّب الشّارع إليها قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى‏}‏‏.‏

وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل إعطاء المنيحة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نعم المنيحة اللّقحة الصّفِي منحةً، والشّاة الصّفِي تغدو بإناء وتروح بإناء»، وعن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «أربعون خصلةً أعلاهنّ منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعودها إلّا أدخله اللّه بها الجنّة»‏.‏

ب - صيغة إعطاء المنيحة‏:‏

6 - قال بعض مشايخ الحنفيّة‏:‏ صيغة المنيحة أن يقول‏:‏ منحتك هذه الشّاة أو النّاقة ؛ لأنّ المنح صريح في العارية، فتنفّذ بها من غير توقف على نيّة، ومجاز في الهبة إذا نوى انعقدت به‏.‏

وفضّل أبو بكر المعروف بخواهر زاده، وقال‏:‏ إذا قال‏:‏ منحتك أرضي ونحو ذلك، فإنّ هذا اللّفظ إن كان مضافاً إلى ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون عاريةً، وإن كان مضافاً إلى ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدّراهم والطّعام تكون هبةً ؛ لأنّ المنحة تذكر ويراد بها العارية، وفي الحديث‏:‏ «المنحة مردودة»، وأراد عليه السلام‏:‏ العارية؛ لأنّ الهبة لا تكون مردودةً، وإنّما المردودة العارية‏.‏ وتذكر ويراد بها الهبة، يقال‏:‏ فلان منح فلاناً أي‏:‏ وهب له، وإذا كانت اللّفظة صالحةً للأمرين جميعاً والعمل بهما متعذّر في عين واحدة - لأنّ العين الواحدة لا يتصوّر أن تكون في محلّين‏:‏ هبة وعارية في وقتٍ واحد - عملنا بهما مختلفين، فقلنا‏:‏ إذا أضيفت المنحة إلى عين يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه جُعل عاريةً، وإن أضيفت إلى عين لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها جعلت هبةً‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ المنح من صرائح صيغ الهبة، وعليه إذا قال‏:‏ منحتك هذه النّاقة أو الشّاة تكون هبةً عندهم ؛ لأنّه لفظ صريح في محلّه ونافذ في موضعه، فلا يكون صريحاً في غيره ولا مجازاً‏.‏

وطريقة إعارة ذوات الألبان أن يقول‏:‏ أعرتك هذه الشّاة أو النّاقة - وهي المنيحة - لأخذ درّها ونسلها كإباحة ما ذُكر، وصحّت العارية لأنّها تتضمّن‏:‏ إعارة أصلها وهو العين المعارة، والفوائد إنّما جعلت بطريق الإباحة والتّبع وليست مستفادةً بالعارية، بل بالإباحة ؛ لأنّ العارية بالمنافع لا بالأعيان، واللّبن والنّسل أعيان، والمعار هو الشّاة أو النّاقة‏.‏

جاء في الحاوي الكبير‏:‏ وما كانت منافعه عيناً كذوات اللّبن من المواشي كالغنم والإبل فلا يجوز أن يعار ولا أن يؤجّر ؛ لاختصاص العارية والإجارة بالمنافع دون الأعيان، ولكن يجوز أن يمنح‏.‏

قال الشّافعي‏:‏ المنحة أن يدفع الرّجل ناقته أو شاته لرجل ليحلبها تمّ يردّها فيكون اللّبن ممنوحاً، ولا ينتفع بغير اللّبن‏.‏

وإن أعار شاةً أو دفعها له وملّكه درّها ونسلها لم يصحّ ؛ لأنّه أخذها بهبة فاسدة ؛ لأنّ اللّبن والنّسل مجهولان غير مقدوري التّسليم فلا يصح تمليكهما، ويضمن الشّاة بحكم العارية الفاسدة، وللعقود الفاسدة حكم صحيحها في الضّمان وعدمه‏.‏

ج - ضمان المنيحة‏:‏

7 - المنيحة عارية يجري عليها أحكام العارية، فيجب ردها إن كانت باقيةً بغير خلاف‏.‏ ويضمن المستعير إن تلفت بتعد بالإجماع، وإن تلفت بلا تعدٍّ فمضمونة عند الشّافعيّة والحنابلة إذا لم تتلف بالاستعمال المأذون، وغير مضمونة عند الحنفيّة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إعارة ف / 5‏)‏‏.‏

مَنِيّ

التّعريف

1 - المني في اللغة - مشدّدة الياء والتّخفيف لغة - ماء الرّجل والمرأة وجمعه مُنْيٌ، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى‏}‏‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الماء الغليظ الدّافق الّذي يخرج عند اشتداد الشّهوة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المذي‏:‏

2 - المذي في اللغة‏:‏ ماء رقيق يخرج عند الملاعبة أو التّذكر، ويضرب إلى البياض، وقال الفيومي‏:‏ فيه ثلاث لغاتٍ الأولى‏:‏ سكون الذّال والثّانية‏:‏ كسرها مع تثقيل الياء والثّالثة‏:‏ الكسر مع التّخفيف‏.‏

والمذّاء فعّال للمبالغة في كثرة المذي، من مذى يمذي‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المذي والمنيّ‏:‏ أنّ المنيّ يخرج على وجه الدّفق بشهوة، وأمّا المذي فيخرج لا على وجه الدّفق‏.‏

ب - الودي‏:‏

3 - الودي في اللغة بإسكان الدّال المهملة وتخفيف الياء وتشديدها‏:‏ الماء الثّخين الأبيض الّذي يخرج في إثر البول‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بينهما أنّ المنيّ يخرج بشهوة وأنّ الودي يخرج بلا شهوة عقب البول‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمنيّ

حكم إنزال المنيّ باليد

4 - اختلف الفقهاء في حكم إنزال المنيّ باليد، فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الاستمناء باليد حرام وفيه التّعزير‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يكره تحريماً الاستمناء بالكفّ ونحوه بدون عذر ؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏}‏، فلم يبح الاستمتاع إلّا بالزّوجة والأمة، وأيضاً فإنّ فيه سلخ الماء، وتهييج الشّهوة في غير محلّها بغير عذر‏.‏

أمّا إذا وجد عذر كما إذا تعيّن الخلاص من الزّنا بالاستمناء وكان عزباً لا زوجة له ولا أمة، أو كان إلّا أنّه لا يقدر على الوصول إليها لعذر فإنّه يجب ؛ لأنّه أخف، وعبارة صاحب فتح القدير‏:‏ فإن غلبته الشّهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرّجاء ألّا يعاقب‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّ الاستمناء باليد لغير حاجة حرام وفيه التّعزير، وفي رواية عن الإمام أحمد أنّه يكره‏.‏

وإن كان الاستمناء خوفاً من الزّنى جاز ولا شيء عليه، وهذا هو المذهب‏.‏

قال صاحب الإنصاف‏:‏ لو قيل بوجوبه في هذه الحالة لكان له وجه كالمضطرّ‏.‏

وفي رواية عن الإمام أحمد أنّه يحرم ولو خاف الزّنى‏.‏ قال في الإنصاف‏:‏ لا يباح الاستمناء إلّا عند الضّرورة، ثمّ قال‏:‏ وحكم المرأة في ذلك حكم الرّجل‏.‏

ويجوز عند جميع الفقهاء الاستمناء بيد الزّوجة

طهارة المنيّ ونجاسته

5 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المنيّ نجسٌ ولهم في ذلك تفصيل‏.‏

فقال الحنفيّة‏:‏ إنّ المنيّ نجسٌ سواء من الإنسان أو من الحيوانات كلّها دون التّفرقة بين مأكول اللّحم وغير مأكوله‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ المني نجسٌ إذا كان من آدمي أو من حيوان محرّم الأكل بغير خلاف، أمّا مني مباح الأكل ففيه خلاف‏.‏

فقيل بطهارته، وقيل بنجاسته ؛ للاستقذار والاستحالة إلى فساد، وهو المشهور‏.‏

واستدلّ الحنفيّة على نجاسة المنيّ بحديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كنت أغسل الجنابة من ثوب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصّلاة وإن بقّع الماء في ثوبه»‏.‏ وجه الدّلالة من هذا الحديث أنّ عائشة رضي الله عنها قد غسلت المنيّ من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، والغسل شأن النّجاسات وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد علم بهذا فأقرّه ولم يقل لها أنّه طاهر ؛ ولأنّه خارجٌ من أحد السّبيلين فكان نجساً كسائر النّجاسات‏.‏

واستدلوا بآثار عن بعض الصّحابة رضي الله عنهم، منها ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في المنيّ يصيب الثّوب‏:‏ ‏"‏ إن رأيته فاغسله وإلّا فاغسل الثّوب كلّه ‏"‏ ومن التّابعين ما روي عن الحسن‏:‏ أنّ المنيّ بمنزلة البول‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ سبب نجاسة المنيّ أنّه دم مستحيل إلى نتن وفساد، فحكم بنجاسة المنيّ من الحيوانات كلّها لأنّ مناط التّنجيس كونه دماً مستحيلاً إلى نتن وفساد، وهذا لا يختلف بين الحيوانات كلّها كما قال الدردير‏.‏

وبأنّ المنيّ يخرج من مخرج البول موجباً لتنجيسه فألحق المني بالبول طهارةً ونجاسةً‏.‏ وقال الشّافعيّة في الأظهر والحنابلة وهو المذهب‏:‏ إنّ منيّ الإنسان طاهر سواء أكان من الذّكر أم الأنثى‏.‏

لحديث عائشة رضي الله عنها «أنّها كانت تفرك المنيّ من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمّ يصلّي فيه» فدلّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شرع في الصّلاة والمني على ثوبه، وهذا شأن الطّاهرات، وعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ «سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن المنيّ يصيب الثّوب، فقال إنّما هو بمنزلة البصاق أو المخاط، إنّما كان يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخر»‏.‏

فيدل هذا الحديث بظاهره أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد شبّه المنيّ بالمخاط والبصاق ممّا يدل على طهارته وأمر بإماطته بأيّ كيفيّة كانت - ولو بإذخر - لأنّه مستقذر طبعاً وعن سعد بن أبي وقّاصٍ ‏"‏ أنّه كان إذا أصاب ثوبه المني إن كان رطباً مسحه، وإن كان يابساً حتّه ثمّ صلّى فيه ‏"‏ ؛ ولأنّه مبدأ خلق الإنسان فكان طاهراً كالطّين وكذلك مني الحيوانات الطّاهرة حال حياتها فإنّه مبدأ خلقها ويخلق منه حيوان طاهر‏.‏

وفي مقابل الأظهر عند الشّافعيّة أنّه نجسٌ وهو قول عند الحنابلة‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة أنّه نجسٌ من المرأة دون الرّجل بناءً على نجاسة رطوبة فرجها وهو قول عند الحنابلة‏.‏

أمّا مني غير الآدميّ فقد ذهب الشّافعيّة في الأصحّ إلى أنّ منيّ غير الآدميّ ونحو الكلب نجسٌ كسائر المستحيلات‏.‏

وقال النّووي‏:‏ إنّ الأصحّ طهارة منيّ غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما لأنّه أصل حيوان طاهر فأشبه منيّ الآدميّ‏.‏

وفي مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة وقول الحنابلة أنّه طاهر من المأكول نجسٌ من غيره كلبنه‏.‏

الوضوء من المنيّ

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ خروج المنيّ ينقض الوضوء‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ خروج المنيّ لا ينقض الوضوء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏حدثٌ ف / 6 وما بعدها‏)‏‏.‏

الغسل من المنيّ

7 - اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المنيّ من الرّجل والمرأة موجب للغسل‏.‏ لما ورد‏:‏ أنّ أمّ سليم رضي الله عنها حدّثت‏:‏ «أنّها سألت نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل ‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل‏:‏ فقالت أم سليم - واستحييت من ذلك - قالت‏:‏ وهل يكون هذا ‏؟‏ فقال نبي اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم، فمن أين يكون الشّبه ‏؟‏ إنّ ماء الرّجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيّهما علا أو سبق يكون منه الشّبه»، وفي رواية أنّها قالت‏:‏

«هل على المرأة من غسل إذ هي احتلمت ‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم إذا رأت الماء»‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وإن رأى في ثوبه منيّاً وكان ممّا لا ينام فيه غيره فعليه الغسل ؛ لأنّ عمر وعثمان رضي الله عنهما اغتسلا حين رأياه في ثوبيهما ؛ ولأنّه لا يحتمل أن يكون إلّا منه، ويُعيد الصّلاة من أحدث نومةٍ نامها فيه إلّا أن يرى إمارةً تدل على أنّه قبلها فيعيد من أدنى نومةٍ يحتمل أنّه منها، وإن كان الرّائي له غلاماً يمكن وجود المنيّ منه كابن اثنتي عشرة سنةً فهو كالرّجال ؛ لأنّه وجد دليله وهو محتمل للوجود وإن كان أقلّ من ذلك فلا غسل عليه لأنّه لا يحتمل فيتعيّن حمله على أنّه من غيره، فأمّا إن وجد الرّجل منيّاً في ثوب ينام فيه هو وغيره ممّن يحتلم فلا غسل على واحد منهما لأنّ كلّ واحد منهما بالنّظر إليه مفرداً يحتمل أن لا يكون منه فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه، وليس لأحدهما أن يأتمّ بصاحبه لأنّ أحدهما جنب يقيناً فلا تصح صلاتهما، كما لو سمع كل واحد منهما صوت ريح يظن أنّها من صاحبه أو لا يدري من أيّهما هي‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏غسل ف / 5‏)‏‏.‏

المني وأثره في الصّوم

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الصّائم إذا قبّل ولم يمن لا يفسد صومه لما روت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كان النّبي صلى الله عليه وسلم يقبّل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه» وورد عن عمر رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «هششت فقبّلت وأنا صائم، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبّلت وأنا صائم، فقال‏:‏ أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ‏؟‏ قلت‏:‏ لا بأس به، قال‏:‏ فمه»‏.‏

شبّه القبلة بالمضمضة من حيث إنّها من مقدّمات الشّهوة وأنّ المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر‏.‏

وإن قبّل الصّائم فأمنى فسد صومه لأنّه إنزال بالمباشرة، فأشبه الإنزال بالجماع لوجود معنى الجماع وهو قضاء الشّهوة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن خرج المني من الصّائم يقظةً بلذّة معتادة فسد الصّوم ووجب القضاء والكفّارة وأمّا إن خرج بلا لذّة أو خرج بلذّة غير معتادة فلا يفسد الصّوم، وقال عبد الوهّاب من المالكيّة‏:‏ إنّما يرى أصحابنا القضاء على من أمنى من لمسٍ وقبلة استحباباً وليس بإيجاب لجواز أن تكون القبلة حرّكت المنيّ عن موضعه، فأمّا إن سلم من ذلك فلا شيء عليه‏.‏

ولو استمنى الصّائم بيده فأنزل فسد صومه لأنّه في معنى القبلة في إثارة الشّهوة، وإن نزل لغير شهوة كالّذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه ؛ لأنّه خارجٌ لغير شهوة أشبه البول ؛ ولأنّه عن غير اختيار منه ولا تسبب إليه فأشبه الاحتلام، ولو احتلم لم يفسد صومه ؛ لأنّه عن غير اختيار منه فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا نظر إلى امرأة بشهوة إلى وجهها أو فرجها فأمنى - كرّر النّظر أو لا - لا يفطر فصار كالمتفكّر في امرأة حسناء إذا أمنى‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن أمنى بتعمد إدامة النّظر والفكر فإنّ عليه القضاء والكفّارة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن خرج المني بمجرّد فكر ونظر بشهوة لم يفطر‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كرّر النّظر فله حالتان‏:‏

الحالة الأولى‏:‏ أن لا يقترن به إنزال فلا يفسد الصّوم بغير خلاف‏.‏

الحالة الثّانية‏:‏ أن يقترن به إنزال المنيّ فيفسد الصّوم، وبه قال عطاء والحسن البصري والحسن بن صالح ؛ لأنّه إنزال بفعل يتلذّذ به ويمكن التّحرز منه فأفسد الصّوم كالإنزال باللّمس، والفكر لا يمكن التّحرز منه بخلاف تكرار النّظر‏.‏

تطهير الثّوب من المنيّ

9 - نظراً لأنّه قد اختلف الفقهاء في نجاسة المنيّ وطهارته فقد بيّن القائلون بأنّه نجسٌ وسيلة تطهيره‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ المنيّ إذا أصاب الثّوب فإن كان رطباً يجب غسله، وإن جفّ على الثّوب أجزأ فيه الفرك‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ تطهير محلّ المنيّ يكون بغسله‏.‏ لما ورد عن زُبَيْد بن الصّلت‏:‏ أنّه قال‏:‏ ‏"‏ خرجت مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلّى ولم يغتسل فقال‏:‏ واللّه ما أراني إلّا احتلمت وما شعرت، وصلّيت وما اغتسلت، قال‏:‏ فاغْتَسَلَ وغَسَلَ ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذّن أو أقام ثمّ صلّى بعد ارتفاع الضّحى متمكّناً ‏"‏‏.‏

أمّا القائلون بأنّه طاهر فقد بيّنوا كيفيّة تنظيفه‏.‏

فقال الشّافعيّة على الأظهر والحنابلة‏:‏ أنّه يستحب غسل المنيّ للأخبار الصّحيحة الواردة فيه وخروجاً من الخلاف‏.‏

أثر انقطاع المنيّ في ثبوت الخيار للزّوجة

10 - يرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الخصاء لا يكون عيباً فلا خيار للزّوجة طالما يستطيع الخصي الوقاع ؛ لأثر علي رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ يرد النّكاح لأربع‏:‏ من الجذام والجنون والبرص والقرن ‏"‏، وجه الدّلالة أنّه لم يردّ للخصاء ذكر بخصوصه ولم يدخل تحت عموم ما نصّ عليه مع وجود الخصاء في الرّجال وإمكان الاطّلاع عليه أو معرفته فيهم، وأنّ الزّواج انعقد بيقين فلا يفرّق بين الزّوجين إلّا بدليل متيقّن، ولمّا كان الاتّصال من الخصيّ موجوداً كان الضّرر في معاشرته منتفياً فلم يصحّ قياسه على العنّة للضّرر‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ إنّ الخصاء عيب يثبت الخيار للمرأة ويبرّر طلب التّفريق‏.‏

إلّا أنّ المالكيّة قيّدوا ذلك بعدم إنزال المنيّ فإن أنزل منيّاً فلا يعتبر خصاءً يبرّر التّفريق‏.‏ وللتّفصيل ر‏:‏ مصطلح ‏(‏خصاء ف / 7‏)‏‏.‏

أثر انقطاع المنيّ بالجناية

11 - اتّفق الفقهاء على أنّه لو جنى شخص جنايةً على رجل فكسر صلبه فأبطل قوّة إمنائه وجبت الدّية كاملةً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ديات ف / 62‏)‏‏.‏

مُهَاجِر

انظر‏:‏ هجرة‏.‏

مُهَايأة

التّعريف

1 - المهايأة في اللغة‏:‏ مفاعلة من هايأ‏.‏ وهي الأمر المتهايأ عليه وتهايأ القوم تهايؤًا من الهيئة‏:‏ جعلوا لكلّ واحد هيئةً معلومةً والمراد النّوبة‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ عرّفها الفقهاء‏:‏ بأنّها قسمة المنافع على التّعاقب والتّناوب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

القسمة‏:‏

2 - القسمة لغةً‏:‏ من القسم وهو الفرز، يقال قسمته قسمين من باب ضرب، فرزته أجزاءً فانقسم، والموضع مقسّم، مثل المسجد، وقسّمه‏:‏ جزّأه، وتقسّموا الشّيء واقتسموه وتقاسموه‏:‏ قسموه بينهم‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ تمييز بعض الأنصباء عن بعض، وإفرازها عنها‏.‏

والصّلة بينهما العموم والخصوص المطلق، فالمهايأة أخص من القسمة‏.‏

مشروعيّة المهايأة

3 - المهايأة مشروعة وثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏قسمة ف / 56‏)‏‏.‏

محل المهايأة‏:‏

4 - ذهب الفقهاء إلى أنّ محلّ المهايأة هو المنافع دون الأعيان، وذلك‏:‏ كدار منفعتها لشريكين، مثل دار وقف عليهما، أو مستأجرة لهما أو لمورّثهما، أو ملك لهما‏.‏

وللفقهاء تفصيلات أخرى في محلّ المهايأة‏.‏

انظر ‏(‏ف /57 من مصطلح قسمة‏)‏‏.‏

أقسام المهايأة

5 - المهايأة تنقسم إلى قسمين‏:‏ الأوّل بحسب الزّمان والمكان، والثّاني بحسب التّراضي والإجبار‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏قسمة ف / 58 وما بعدها‏)‏‏.‏

صفة المهايأة

6 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المهايأة غير لازمة، وأنّها عقد جائزٌ، ويرى المالكيّة أنّها تكون كذلك إذا كانت غير معيّنة المدّة‏:‏ كدارين يأخذ كل واحد منهما سكنى دار من غير تعيين مدّة، أمّا إذا كانت في زمن معيّن فإنّها تكون لازمةً كالإجارة‏.‏

وعلى قول الجمهور يجوز لكلّ منهما الرجوع عنها، ولا تبطل بموت أحدهما‏.‏

التّنازع في المهايأة

7 - اختلف الفقهاء في حكم المهايأة إذا تنازع أطرافها‏.‏

فعند الحنفيّة‏:‏ إذا اختلفا في التّهايؤ من حيث الزّمان والمكان في محل يحتملهما يأمرهما القاضي بأن يتّفقا ؛ لأنّ التّهايؤ في المكان أعدل، وفي الزّمان أكمل، فلمّا اختلفت الجهة لا بدّ من الاتّفاق، فإن اختاراه من حيث الزّمان يقرع في البداية نفياً للتهمة‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ إن تراضيا بالمهايأة وتنازعا في البداءة بأحدهما أقرع بينهما، ولكلّ منهما الرجوع عن المهايأة، بناءً على أنّه لا إجبار فيها، فإن رجع أحدهما عنها بعد استيفاء المدّة أو بعضها لزم المستوفي للآخر نصف أجرة المثل لما استوفى، كما إذا تلفت العين المستوفي أحدهما منفعتها فإنّه يلزم المستوفي نصف أجرة المثل، فإن تمانعا وأصرّا أجّرها القاضي عليهما، ووزّع الأجرة عليهما بقدر حصّتهما، ولا يبيعها عليهما، وإن اقتسماها بالتّراضي ثمّ ظهر عيب بنصيب أحدهما فلهما الفسخ‏.‏

وذكر ابن البنَّاء من الحنابلة في الخصال‏:‏ أنّ الشّركاء إذا اختلفوا في منافع دار بينهما أنّ الحاكم يجبرهم على قسمها بالمهايأة أو يؤجّرها عليهم‏.‏

أثر المهايأة

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّ للمتهايئين استغلال محلّ المهايأة، والانتفاع بها كل في قسمه، زمانيّةً كانت أم مكانيّةً‏.‏

وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏قسمة ف / 61‏)‏‏.‏

واختلفوا في الأكساب النّادرة للعبد المشترك بين مالكين أو فيمن بعضه حر بينه وبين مالك باقيه، كاللقطة والهبة والرّكاز والوصيّة، وكذا المؤن النّادرة كأجرة الطّبيب والحجّام‏.‏ فالأظهر عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة أنّها تدخل في المهايأة، كما تدخل الأكساب العامّة والمؤن العامّة، فتكون - أي الأكساب النّادرة - لذي النّوبة، والمؤن عليه إلّا أرش الجناية‏.‏

ومقابل الأظهر والوجه الثّاني للحنابلة أنّ الكسب النّادر لا يدخل في المهايأة، فلا يختص به من هو في نوبته‏.‏

واختلفوا في كسوة العبد المشترك‏:‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّ الشّريكين إن شرطا طعام العبد على من يخدمه جاز، وفي الكسوة لا يجوز ؛ لأنّ العادة جرت بالمسامحة من الطّعام دون الكسوة‏.‏

وذهب الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّها تدخل في المهايأة، ويراعى فيها قدر النّوبة حتّى تبقى على الاشتراك، إن جرت المهايأة مياومةً‏.‏

وقال الحنابلة في نفقة الحيوان‏:‏ إنّها تجب مدّة كلّ واحد عليه، وقالوا‏:‏ إن كان بينهما نهر أو قناة أو عين نبع ماؤها فالنّفقة لحاجة بقدر حقّهما، أي حقّ كلّ واحد منهما من الماء كالعبد المشترك، والماء بينهما على ما شرطاه عندما استخرجاه‏.‏

الضّمان في المهايأة

9 - اختلف الفقهاء في يد المتهايئين على محلّ المهايأة هل هي يد ضمان أو يد أمانة ‏؟‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ يد كلّ واحد من المتهايئين يد أمانة، ولذا لا ضمان عليه إذا عطب أحد الخادمين في خدمة من شرط له هذا الخادم، وكذا لو انهدم المنزل من سكنى من شرطت له، أو احترق من نار أوقدها فيه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ المهايأة كالعارية، ولذا فتكون اليد فيها يد ضمان‏.‏

وفي مطالب أولي النهى‏:‏ ويتّجه أنّه لو تلف الحيوان المتهايأ عليه يضمن، أي يضمنه من تلفت تحت يده في مدّته ؛ لأنّه كالعارية بالنّسبة لنصيب شريكه، وهو مضمون على كلّ حال إلّا في صورة أوردها صاحب الإقناع وهي‏:‏ إن سلّم شريك إلى شريكه الدّابّة المشتركة فتلفت بلا تفريط ولا تعد من غير انتفاع ونحوه لم يضمن‏.‏

مَهْر

التّعريف

1 - المهر في اللغة‏:‏ صداق المرأة، وهو‏:‏ ما يدفعه الزّوج إلى زوجته بعقد الزّواج، والجمع مهور ومهورة‏.‏ يقال‏:‏ مهرت المرأة مهراً‏:‏ أعطيتها المهر، وأمهرتها - بالألف- كذلك، والثلاثي لغة بني تميم وهي أكثر استعمالاً‏.‏

وأمّا في الاصطلاح فقد عرّفه الشّافعيّة فقالوا‏:‏ هو ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهراً‏.‏

وللمهر تسعة أسماء‏:‏ المهر، والصّداق، والصّدقة، والنّحلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

النّفقة‏:‏

2 - النّفقة في اللغة اسم من الإنفاق ومن معانيها‏:‏ ما ينفق من الدّراهم ونحوها، والزّاد، وما يفرض للزّوجة على زوجها من مال للطّعام والكساء والسكنى والحضانة ونحوها، والجمع‏:‏ نفقات ونفاق‏.‏

والنّفقة شرعاً هي‏:‏ الطّعام والكسوة والسكنى‏.‏

والصّلة بين المهر والنّفقة وجوب كل منهما للزّوجة، إلّا أنّ النّفقة تجب جزاءً للاحتباس في حين يجب المهر إبانةً لشرف المحلّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمهر

يتعلّق بالمهر أحكام منها‏:‏

حكم ذكر المهر في عقد النّكاح

3 - المهر واجب في كلّ نكاح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم‏}‏ فقد قيّد الإحلال به، إلّا أنّ ذكر المهر في العقد ليس شرطاً لصحّة النّكاح فيجوز إخلاء النّكاح عن تسميته باتّفاق الفقهاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ حكم بصحّة الطّلاق مع عدم التّسمية، ولا يكون الطّلاق إلّا في النّكاح الصّحيح‏.‏

وروي أنّ ابن مسعود رضي اللّه عنه «سئل عن رجل تزوّج امرأةً ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتّى مات، فقال ابن مسعود‏:‏ لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدّة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال‏:‏ «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بِرْوع بنت واشق امرأة منّا مثل ما قضيت»، ولأنّ القصد من النّكاح الوصلة والاستمتاع دون الصّداق فصحّ من غير ذكره كالنّفقة‏.‏

وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يستحب تسمية المهر للنّكاح، لأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يخلّ نكاحاً عنه، ولأنّه أدفع للخصومة‏.‏

4 - وأمّا إذا شرط نفي المهر في النّكاح كأن تزوّجها بشرط أن لا مهر لها فقد اختلف الفقهاء في حكم هذا النّكاح‏:‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى صحّة النّكاح‏.‏

وأمّا المالكيّة فلا يصح النّكاح عندهم عند اشتراط نفي المهر، حيث إنّهم يعتبرون المهر ركناً من أركان النّكاح ويقولون‏:‏ ومعنى كونه ركناً أنّه لا يصح اشتراط إسقاطه‏.‏

وللتّفصيل فيما تستحقه الزّوجة عند التّصريح بنفي المهر أو عدم تسميته‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تفويضٌ ف / 7 - 8، مفوّضة‏)‏‏.‏

حكمة وجوب المهر في عقد النّكاح

5 - قال الكاساني‏:‏ لو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزّوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما، لأنّه لا يشق عليه إزالته لمّا لم يخف لزوم المهر، فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النّكاح، ولأنّ مصالح النّكاح ومقاصده لا تحصل إلّا بالموافقة ولا تحصل الموافقة إلّا إذا كانت المرأة عزيزةً مكرّمةً عند الزّوج، ولا عزّة إلّا بانسداد طريق الوصول إليها إلّا بمال له خطر عنده، لأنّ ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعز به إمساكه، وما تيسّر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه، ومتى هانت في أعين الزّوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة ولا تحصل مقاصد النّكاح‏.‏

أنواع المهر

6 - المهر الواجب نوعان‏:‏

أ - المهر المسمّى‏:‏ وهو العوض المسمّى في عقد النّكاح والمسمّى بعده لمن لم يسمّ لها في العقد‏.‏

ب - مهر المثل‏:‏ وهو القدر الّذي يرغب به في أمثال الزّوجة‏.‏

المعتبر في مهر المثل

7 - اختلف الفقهاء فيمن يعتبر بها مهر المثل من قريبات الزّوجة‏:‏

فذهب الحنفيّة وأحمد في رواية حنبل عنه إلى أنّ مهر مثل الزّوجة يعتبر بأخواتها وعمّاتها وبنات أعمامها لقول ابن مسعود رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏ لها مهر مثل نسائها لا وكس فيه ولا شطط ‏"‏ وهنّ أقارب الأب، ولأنّ الإنسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشّيء إنّما تعرف بالنّظر في قيمة جنسه، ولا يعتبر مهر مثلها بأمّها وخالتها إذا لم تكونا من قبيلتها، فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن كانت بنت عمّه فحينئذٍ يعتبر بمهرها لمّا أنّها من قوم أبيها‏.‏

وأضاف الحنفيّة‏:‏ يعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السّنّ والجمال والعقل والدّين والبلد والعصر لأنّ مهر المثل يختلف باختلاف الدّار والعصر، قالوا‏:‏ ويعتبر التّساوي أيضاً في البكارة لأنّه يختلف بالبكارة والثيوبة‏.‏

قال الكمال بن الهمام‏:‏ بمجرّد تحقق القرابة المذكورة لا يثبت صحّة الاعتبار بالمهر حتّى تتساويا جمالاً ومالاً وبلداً وعصراً وعقلاً وديناً وبكارةً وأدباً وكمال خلق وعدم ولد وفي العلم أيضاً فلو كانت من قوم أبيها لكن اختلف مكانهما أو زمانهما لا يعتبر بمهرها لأنّ البلدين تختلف عادة أهلهما في المهر في غلائه ورخصه فلو زوّجت في غير البلد الّذي زوّج فيه أقاربها لا يعتبر بمهورهنّ‏.‏

وقيل‏:‏ لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشّرف بل في أوساط النّاس، قال ابن الهمام في تعليقه على هذا القول‏:‏ وهذا جيّد‏.‏

وقالوا يعتبر حال الزّوج أيضاً بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما، فإن لم تكن واحدةً من قوم الأب بهذه الصّفات فأجنبيّة موصوفة بذلك، وفي الخلاصة‏:‏ ينظر في قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها‏.‏

وعن أبي حنيفة لا يعتبر بالأجنبيات، قال الكمال بن الهمام‏:‏ ويجب حمل هذا القول على ما إذا كان لها أقارب وإلّا امتنع القضاء بمهر المثل‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ الأصل في مهر المثل اعتبار أربع صفاتٍ‏:‏ الدّين والجمال والحسب والمال، ومِنْ شَرْطِ التّساوي الأزمنة والبلاد إلّا أن تكون لهم عادة مستمرّة في تعيين المهر فيصار إليه، وفي كتاب محمّد‏:‏ يعتبر شبابها وجمالها في زمنها ورغبة النّاس فيها، وينظر في الزّوج فإن زوّجوه إرادة صلته ومقاربته خفّف عنه، وإن كان على غير ذلك كمّل لها صداق المثل‏.‏

وقالوا‏:‏ لا ينظر في تحديد مهر مثل الزّوجة إلى أختها وقرابتها إذ يزوّج الفقير لقرابته والبعيد لغناه، وإنّما ينظر لمثلها من مثله‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يراعى في مهر المثل أقرب من تنسب من نساء العصبة وأقربهنّ أخت لأبوين ثمّ لأب ثمّ بنات أخ لأبوين ثمّ لأب ثمّ عمّات لأبوين ثمّ لأب، فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهنّ فيعتبر مهرها بأرحامها تقدّم القربى فالقربى كجدّات وخالاتٍ، ويعتبر مع ما تقدّم المشاركة في الصّفات المرغّبة كسنّ وعقل ويسار وبكارة وثيوبة وفصاحة وما اختلف به غرضٌ كالعلم والشّرف لأنّ المهور تختلف باختلاف هذه الصّفات‏.‏ ومتى اختصّت بفضل أو نقصٍ ليس في النّسوة المعتبرات مثله، زيد أو نقص بقدر ما يليق به‏.‏

ويعتبر غالب عادة النّساء فلو سامحت واحدة لم يجب موافقتها إلّا أن يكون لنقص دخل في النّسب وفترة الرّغبات ولو خفضن للعشيرة دون غيرهم أو عكسه أعتبر ذلك‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يعتبر مهر المثل بمن يساوي الزّوجة من جميع أقاربها من جهة أبيها وأمّها كأختها وعمّتها وبنت أخيها وبنت عمّها وأمّها وخالتها وغيرهنّ القربى فالقربى لحديث ابن مسعود رضي اللّه عنه ‏"‏ لها مثل مهر نسائها ‏"‏ ؛ ولأنّ مطلق القرابة له أثر في الجملة‏.‏

ويعتبر التّساوي في المال والجمال والعقل والأدب والسّنّ والبكارة أو الثيوبة والبلد وصراحة نسبها وكلّ ما يختلف لأجله المهر، لأنّ مهر المثل بدل متلف فاعتبرت الصّفات المقصودة فيه، فإن لم يكن في نسائها إلّا دونها زيدت بقدر فضيلتها القربى فالقربى، لأنّ زيادة فضيلتها تقتضي زيادة مهرها فتقدّر الزّيادة بقدر الفضيلة، وإن لم يوجد في نسائها إلّا فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش العيب، ولأنّ له أثراً في تنقيص المهر فوجب أن يترتّب بحسبه‏.‏

وتعتبر عادة نسائها في تأجيل المهر أو بعضه وفي غيره من العادات كالتّخفيف عن عشيرتهنّ دون غيرهم، وكذا لو كان عادتهم التّخفيف لنحو شرف الزّوج أو يساره، إجراءً لها على عادتهنّ‏.‏

فإن اختلفت عادتهنّ في الحلول والتّأجيل أو اختلفت المهور قلّةً وكثرةً أخذ بمهر وسط حال من نقد البلد، فإن تعدّد فمن غالبه كقيم المتلفات، وإن لم يكن لها أقارب من النّساء أعتبر شبهها بنساء بلدها، فإن عدمت نساء بلدها فالاعتبار بأقرب النّساء شبهاً بها من أقرب بلد إليها‏.‏

شروط المخبر بمهر المثل

8 - صرّح الحنفيّة بأنّه يشترط أن يكون المخبر بمهر المثل رجلين أو رجلاً وامرأتين ويشترط لفظة الشّهادة، فإن لم يوجد على ذلك شهود فالقول قول الزّوج مع يمينه‏.‏

ما يصح تسميته مهراً

9 - الأصل عند جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ أنّ كلّ ما جاز أن يكون ثمناً أو مثمّناً أو أجرةً جاز جعله صداقاً‏.‏

قال الدّردير‏:‏ يشترط في المهر شروط الثّمن من كونه متموّلاً طاهراً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه معلوماً‏.‏

وقال الشّربيني الخطيب‏:‏ كل ما صحّ كونه عوضاً معوّضاً عيناً أو ديناً أو منفعةً كثيراً أو قليلاً - ما لم ينته في القلّة إلى حد لا يتموّل - صحّ كونه صداقاً، وما لا فلا‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ كل ما جاز ثمناً في البيع أو أجرةً في الإجارة من العين والدّين والحالّ والمؤجّل والقليل والكثير، ومنافع الحرّ والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقاً‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ المهر ما يكون مالاً متقوّماً عند النّاس فإذا سمّيا ما هو مال يصح التّسمية وما لا فلا‏.‏

وقالوا‏:‏ التّسمية لا تصح مع الجهالة الفاحشة وتصح مع الجهالة المستدركة‏.‏

وقد نشأ عن اختلاف الفقهاء في مدلول المال - كما سبق تفصيله في مصطلح ‏(‏مال ف / 2‏)‏ - اختلافهم في بعض ما تصح تسميته مهراً نذكرها فيما يأتي‏:‏

جعل المنفعة مهراً

10 - ذهب المالكيّة في المشهور والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز أن تكون المنفعة صداقاً جرياً على أصلهم من أنّ كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه يصح تسميته صداقاً، فيصح أن يجعل منافع داره أو دابّته أو عبده سنةً صداقاً لزوجته، أو يجعل صداقها خدمته لها في زرع أو بناء دار أو خياطة ثوب، أو في سفر الحجّ مثلاً‏.‏

قال ابن الحاجب‏:‏ في كون الصّداق منافع كخدمته مدّةً معيّنةً أو تعليمه قرآناً منعه مالك وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ، وإن وقع مضى على المشهور‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن تزوّج الحر امرأةً على منافعه مدّةً معلومةً فعلى روايتين إحداهما‏:‏ يصح وهو المذهب، والرّواية الثّانية‏:‏ لا يصح‏.‏

وذكر ابن تيميّة‏:‏ أنّ محلّ الخلاف يختص بالخدمة، لما فيه من المهنة والمنافاة‏.‏

ثمّ الّذين اتّفقوا في الجملة على جواز جعل المنافع مهراً اختلفوا فيما بينهم في عدّة مسائل منها‏:‏

أ - جعل تعليم القرآن مهراً للمرأة‏:‏

11 - أجاز الشّافعيّة وأحمد في أحد القولين، وأصبغ من المالكيّة جعل تعليم القرآن مهراً‏.‏ واشترط الشّافعيّة لجواز جعل تعليم القرآن مهراً شرطين‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ العلم بالمشروط تعليمه بأحد طريقين‏:‏

الطّريق الأوّل‏:‏ بيان القدر الّذي يعلّمه بأن يقول كل القرآن أو السبع الأوّل أو الأخير‏.‏ الطّريق الثّاني‏:‏ التّقدير بالزّمان بأن يصدقها تعليم القرآن شهراً ويعلّمها فيه ما شاءت‏.‏ والشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون المعقود على تعليمه قدراً في تعليمه كلفةً‏.‏

وذهب مالك وأحمد في القول الثّاني وهو اختيار أبي بكر إلى أنّه لا يجوز جعل تعليم القرآن أو شيء منه مهراً، لأنّ الفروج لا تستباح إلّا بالأموال، ولأنّ تعليم القرآن لا يجوز أن يقع إلّا قربةً لفاعله فلم يصحّ أن يكون صداقاً كالصّوم والصّلاة‏.‏

وكَرِه ابن القاسم ذلك في كتاب محمّد، فإن وقع مضى في قول أكثر المالكيّة‏.‏

ب - نكاح المرأة على إحجاجها‏:‏

12 - صرّح الحنابلة بعدم صحّة تسمية نكاح المرأة على إحجاجها مهراً لأنّ الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلم يصحّ، كما لو أصدقها شيئاً، فعلى هذا لها مهر المثل‏.‏ واختلفت أقوال المالكيّة في المسألة‏:‏

فقد روى يحيى عن ابن القاسم في نكاحها على إحجاجها أنّه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويجب صداق المثل إلّا أن يكون مع الحجّة غيرها فيجوز‏.‏

وقال ابن حبيب‏:‏ وليس يعجبني ولا رأيت أصبغ وغيره من أصحاب مالك يعجبهم ورأيتهم يرونه جائزاً، لأنّ ذلك يرجع إلى حجّة مثلها في النّفقة والكراء والمصلحة، وقال‏:‏ أمنعه من الدخول حتّى يحجّها أو يعطيها مقدار ما يشبه مثلها من النّفقة والمصلحة والتّداوي في بعد سفرها أو قربه فتكون قد قبضت صداقها فإن شاءت حجّت به وإن شاءت تركته‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المنافع ليست أموالاً متقوّمةً في حدّ ذاتها، إلّا أنّهم أجازوا جعل المنافع مهراً في صور معيّنة نذكرها فيما يلي‏:‏

أ - منافع الأعيان‏:‏

13 - منافع الأعيان تصح تسميتها مهراً في عقد النّكاح‏.‏

قال الكاساني‏:‏ لو تزوّجها على منافع سائر الأعيان من سكنى داره وخدمة عبيده وركوب دابّته والحمل عليها وزراعة أرضها ونحو ذلك من منافع الأعيان مدّةً معلومةً صحّت التّسمية لأنّ هذه المنافع أموال، والتحقت بالأموال شرعاً في سائر العقود لمكان الحاجة، والحاجة في النّكاح متحقّقة وإمكان الدّفع بالتّسليم ثابت بتسليم محالّها‏.‏

ب - منافع الحرّ‏:‏

ذكر الحنفيّة عدّة صور لجعل منفعة الحرّ صداقاً لزوجته منها‏:‏

جعل الحرّ مهر زوجته خدمتها

14 - لو تزوّج حر امرأةً على أن يخدمها سنةً فالتّسمية فاسدة ولها مهر مثلها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏

وعند محمّد التّسمية صحيحة ولها قيمة خدمة سنة‏.‏

وقال الكاساني في معرض الاستدلال لما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ أنّ المنافع ليست بأموال متقوّمة على أصل أصحابنا ولهذا لم تكن مضمونةً بالغصب والإتلاف وإنّما يثبت لها حكم التّقوم في سائر العقود شرعاً ضرورةً دفعاً للحاجة بها ولا يمكن دفع الحاجة بها هاهنا لأنّ الحاجة لا تندفع إلّا بالتّسليم، وأنّه ممنوع عنه شرعاً، لأنّ استخدام الحرّة زوجها الحرّ حرام لكونه استهانةً وإذلالاً وهذا لا يجوز، ولهذا لا يجوز لابن أن يستأجر أباه للخدمة، فلا تسلّم خدمته لها شرعاً، فلا يمكن دفع الحاجة بها، فلم يثبت لها التّقوم، فبقيت على الأصل فصار كما لو سمّى ما لا قيمة له كالخمر والخنزير وهناك لا تصح التّسمية ويجب مهر المثل كذا هاهنا‏.‏

ودلَّل علاء الدّين السّمرقندي لما ذهب إليه محمّد من صحّة التّسمية ووجوب قيمة الخدمة في هذه الصورة، وقال‏:‏ إنّ التّسمية قد صحّت لكن تعذّر التّسليم عليه، لأنّه لا يجوز لها استخدامه بل عليها خدمة الزّوج فيجب قيمة الخدمة، كما لو تزوّج على عبد فاستحقّ، تجب قيمته لا مهر المثل كهذا هذا‏.‏

وإن تزوّج عبد امرأةً بإذن مولاه على خدمته سنةً جاز ولها الخدمة، لأنّ خدمة العبد خالص ملك المولى فصحّت التّسمية‏.‏

وجاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ ولو كان الزّوج عبداً فلها خدمته بالإجماع‏.‏

جعل الحرّ مهر زوجته عملاً لا مهانة فيه

15 - قال الكاساني‏:‏ لو كان المهر المسمّى فعلاً لا استهانة فيه ولا مذلّة على الرّجل كرعي دوابّها وزراعة أرضها والأعمال الّتي خارج البيت تصح التّسمية، لأنّ ذلك من باب القيام بأمر الزّوجة لا من باب الخدمة‏.‏

ومن مشايخ الحنفيّة من جعل في رعي غنمها روايتين، ومنهم من قال يصح في رعي الغنم بالإجماع‏.‏

وجاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ لو تزوّجها على أن يرعى غنمها أو يزرع أرضها، في رواية لا يجوز وفي رواية جاز، والأوّل رواية الأصل والجامع - وهو الأصح كما في النّهر الفائق - والصّواب أن يسلّم لها إجماعاً، استدلالاً بقصّة موسى وشعيب عليهما السلام، وشريعة من قبلنا تلزمنا إذا قصّ اللّه تعالى أو رسوله بلا إنكار‏.‏

جعل الحرّ مهر زوجته تعليمها القرآن

16 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا تزوّج حر امرأةً على تعليم القرآن أو على تعليم الحلال والحرام من الأحكام أو على الحجّ والعمرة من الطّاعات لا تصح التّسمية، لأنّ المسمّى ليس بمال فلا يصير شيء من ذلك مهراً‏.‏

قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ لو تزوّج امرأةً على أن يعلّمها القرآن كان لها مهر مثلها‏.‏

الجمع بين المال والمنفعة في الصّداق

17 - قال الحنفيّة‏:‏ لو جمع بين ما هو مال وبين ما ليس بمال لكن للزّوجة فيه منفعة إن كان شيئاً يباح لها الانتفاع به كطلاق الضّرّة والإمساك في بلدها ونحو ذلك، فإن وَفَّى بالمنفعة وأوصل إليها فإنّه لا يجب إلّا المسمّى إذا كان عشرة دراهم فصاعداً، لأنّها أسقطت حقّها عن مهر المثل لغرض صحيح وقد حصل، وإن لم يف بما وَعَدَ لها‏:‏ إن كان ما سمّى لها من المال مثل مهر المثل أو أكثر فلا شيء لها إلّا ذلك المسمّى، وإن كان ما سمّى لها أقلّ من مهر مثلها يكمّل لها مهر مثلها، لأنّها لم ترض بإسقاط حقّها من كمال مهر المثل إلّا بغرض مرغوب فيه عند النّاس وحلال شرعاً، فإذا لم يحصل الغرض يعود حقها إلى المعوّض وهو المهر‏.‏

وقال ابن القاسم من المالكيّة - فيما رواه عنه يحيى - أنّه إذا لم يكن مع المنافع صداق يفسخ النّكاح قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لها صداق مثلها، وتسقط الخدمة، فإن كان خدم رجع عليها بقيمة الخدمة‏.‏

مقدار المهر

18 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا حدّ لأكثر المهر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً‏}‏‏.‏

وفي القنطار أقاويل منها‏:‏ أنّه المال الكثير، وهذا قول الرّبيع‏.‏

حكى الشّعبي أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قام خطيباً فقال‏:‏ ‏"‏ لا تُغالوا في صدقات النّساء فما بلغني أنّ أحداً ساق أكثر ممّا ساقه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلّا جعلت الفضل في بيت المال، فاعترضته امرأة من نساء قريشٍ فقالت‏:‏ يعطينا اللّه وتمنعنا، كتاب اللّه أحق أن يتّبع، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً‏}‏ فرجع عمر، وقال‏:‏ كل أحد يصنع بماله ما شاء ‏"‏‏.‏

19 - وأمّا أقل المهر فقد اختلف الفقهاء فيه‏:‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أقلّ المهر غير مقدّر بل كل ما جاز أن يكون ثمناً أو مبيعاً أو أجرةً أو مستأجراً جاز أن يكون صداقاً قلّ أو كثر ما لم ينته في القلّة إلى حد لا يتموّل‏.‏ وبه قال من الصّحابة عمر بن الخطّاب وعبد اللّه بن عبّاسٍ رضي الله عنهم، وهو قول الحسن البصريّ وسعيد بن المسيّب وعطاء وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والثّوريّ والأوزاعيّ واللّيث وإسحاق وأبي ثور‏.‏

وحُكِيَ أنّ سعيداً زوَّجَ ابنته على صداق درهمين وقال‏:‏ لو أصدقها سوطاً لحلّت‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة وسعيد بن جبير والنّخعيّ وابن شبرمة إلى أنّ المهر مقدّر الأقلّ‏.‏ ثمّ اختلف هذا الفريق في أدنى المقدار الّذي يصلح مهراً‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ أقلّ المهر عشرة دراهم فضّةً أو ما قيمته عشرة دراهم واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم‏}‏، شرط سبحانه وتعالى أن يكون المهر مالاً، ولا يطلق اسم المال على الحبّة والدّانق، فلا يصلح مهراً، وبما روي عن جابر رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا مهر دون عشرة دراهم»‏.‏

وعن عمر وعلي وعبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم أنّهم قالوا‏:‏ لا يكون المهر أقلّ من عشرة دراهم‏.‏ قال الكاساني‏:‏ والظّاهر أنّهم قالوا ذلك توقيفاً ؛ لأنّه باب لا يوصل إليه بالاجتهاد والقياس، ولأنّ المهر حق الشّرع من حيث وجوبه عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ‏}‏، وكان ذلك لإظهار شرف المحلّ فيتقدّر بماله خطر - وهو العشرة - استدلالاً بنصاب السّرقة، لأنّه يتلف به عضو محترم، فلأن يتلف به منافع بضع كان أولى‏.‏

وإذا ثبت أنّ أقلّ المهر عشرة، فإذا سمّى أقلّ من عشرة فتصح التّسمية عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد، ويكمل المهر عشرة دراهم، لأنّ التّقدير حق الشّرع، فمتى قدّر بأقلّ من عشرة فقد أسقطا حقّ أنفسهما ورضيا بالأقلّ فلا يصح في حقّ الشّرع، فيجب أدنى المقادير وهو العشرة‏.‏

وقال زفر‏:‏ لها مهر المثل لأنّ تسمية ما لا يصلح مهراً كانعدامه، كما في تسمية الخمر والخنزير‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ أقلّ المهر ربع دينار ذهباً شرعيّاً أو ثلاثة دراهم فضّةً خالصةً من الغشّ، أو عرض مقوّم بربع دينار، أو ثلاثة دراهم من كلّ متموّل شرعاً طاهر منتفع به معلوم - قدراً وصنفاً وأجلاً - مقدور على تسليمه للزّوجة‏.‏

وقال ابن شبرمة‏:‏ أقل المهر خمسة دراهم أو نصف دينار‏.‏

وقال إبراهيم النّخعيّ‏:‏ أقل المهر أربعون درهماً، وعنه‏:‏ عشرون درهماً، وعنه‏:‏ رطل من الذّهب‏.‏

وقال سعيد بن جبير‏:‏ أقله خمسون درهماً‏.‏

المغالاة في المهر

20 - ذهب الفقهاء إلى استحباب عدم المغالاة في المهور، لما روت عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «مِنْ يُمْنِ المرأة تسهيل أمرها وقلّة صداقها»، وروى ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «خيرهنّ أيسرهنّ صداقاً»، ورُوي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «تياسروا في الصّداق، إنّ الرّجل يعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكةً» أي عداوةً أو حقداً‏.‏

وقال الماورديّ‏:‏ الأولى أن يعدل الزّوجان عن التّناهي في الزّيادة الّتي يقصر العمر عنها، وعن التّناهي في النقصان الّذي لا يكون له في النفوس موقع، وخير الأمور أوساطها، وأن يقتدى برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مهور نسائه طلباً للبركة في موافقته صلى الله عليه وسلم، وهو خمسمائة درهم على ما روته السّيّدة عائشة رضي الله عنها‏.‏ فعن أبي سلمة بن عبد الرّحمن أنّه قال‏:‏ «سألت عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كم كان صداق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قالت‏:‏ كان صداقه لأزواجه ثِنتي عشرة أوقيّةً ونشّاً‏.‏ قالت‏:‏ أتدري ما النّشّ ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ لا، قالت‏:‏ نصف أوقيّة، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأزواجه»‏.‏

الزّيادة في المهر والحط منه

21 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الزّيادة في المهر بعد العقد تلحق به، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ‏}‏‏.‏

فإنّه يتناول ما تراضيا على إلحاقه وإسقاطه، ولأنّ ما بعد العقد زمن لفرض المهر فكان حالة الزّيادة كحالة العقد‏.‏

جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ الزّيادة في المهر صحيحة حال قيام النّكاح عند علمائنا الثّلاثة ‏"‏ أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد ‏"‏، فإذا زادها في المهر بعد العقد لزمته، هذا إذا قبلت المرأة الزّيادة، سواء كانت من جنس المهر أو لا، من زوج أو من ولي‏.‏

والزّيادة إنّما تتأكّد بأحد معان ثلاثة‏:‏ إمّا بالدخول وإمّا بالخلوة وإمّا بموت أحد الزّوجين، فإن وقعت الفرقة بينهما من غير هذه المعاني الثّلاثة بطلت الزّيادة وتنصّف الأصل ولا تنتصف الزّيادة، وعن أبي يوسف أنّه تنتصف الزّيادة‏.‏

وقال زفر‏:‏ إن زاد لها في المهر بعد العقد لا تلزمه الزّيادة، لأنّه لو صحّ بعد العقد لزم كون الشّيء بدل ملكه‏.‏

وإن حطّت الزّوجة عن زوجها مهرها صحّ الحط عند الحنفيّة ولو بشرط كما لو تزوّجها بمائة دينار على أن تحطّ عنه خمسين منها فقبلت لأنّ المهر بقاء حقّها والحط يلاقيه حالة البقاء، ويصح الحط ولو بعد الموت أو البينونة‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ حطّ وليّ الزّوجة غير صحيح، فإن كانت الزّوجة صغيرةً فالحط باطل، وإن كانت كبيرةً توقّف على إجازتها‏.‏

ثمّ يشترط في صحّة الحطّ أن يكون المهر دراهم أو دنانير، فلو كان عيناً لا يصح لأنّ الحطّ لا يصح في الأعيان، ومعنى عدم صحّته أنّ لها أن تأخذه ما دام قائماً، فلو هلك في يده سقط المهر عنه لأنّ المهر صار مضموناً بالقيمة في ذمّته فيصح الإسقاط‏.‏

كما يشترط لصحّة حطّها أن لا تكون مريضةً مرض الموت لأنّ الحطّ في مرض الموت وصيّة تتوقّف على الإجازة، إلّا أن تكون مبانةً من الزّوج وقد انقضت عدّتها فينفذ من الثلث‏.‏

ولا بدّ لصحّة حطّها من الرّضا حتّى لو كانت مكرهةً لم يصحّ، فلو خوّف امرأته بضرب حتّى وهبت مهرها لا يصح إن كان قادراً على الضّرب‏.‏

ولو اختلفا في الكراهية والطّوع - ولا بيّنة - فالقول لمدّعي الإكراه، ولو أقاما البيّنة فبيّنة الطّواعية أولى‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا وهبت الزّوجة من زوجها جميع صداقها، ثمّ طلّقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، وكأنّها عجّلت إليه بالصّداق، ولأنّها لمّا لم يستقرّ ملكها عليه على المشهور، وانكشف الآن أنّها إنّما تملك منه النّصف، وافقت هبتها ملكها وملكه، فنفذت في ملكها دون ملكه‏.‏

ولو وهبت منه نصف الصّداق ثمّ طلّقها فله الربع، وكذلك إن وهبته أكثر من النّصف أو أقلّ، فله نصف ما بقي لها بعد الهبة‏.‏

وقالوا‏:‏ يجوز للأب أن يسقط نصف صداق ابنته البكر إذا طلقت قبل البناء‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأظهر إلى أنّ الزّوجة لو وهبت المهر لزوجها بلفظ الهبة بعد قبضها له - والمهر عين - ثمّ طلّق، أو فارق بغير طلاق - كردّة قبل الدخول - فله نصف بدل المهر من مثل أو قيمة، لأنّه ملك المهر قبل الطّلاق من غير جهة الطّلاق‏.‏

وفي مقابل الأظهر لا شيء له لأنّها عجّلت له ما يستحق بالطّلاق فأشبه تعجيل الدّين قبل الدخول‏.‏

ولو كان الصّداق ديناً فأبرأته منه لم يرجع على المذهب، ولو وهبت له الدّين، فالمذهب أنّه كالإبراء، وقيل كهبة العين‏.‏

وصرّح الشّافعيّة على الجديد بأنّه‏:‏ ليس للوليّ العفو عن مهر موليّته كسائر ديونها، والقديم له ذلك بناءً على أنّه الّذي بيده عقدة النّكاح‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا طلّق الزّوج زوجته قبل الدخول والخلوة وسائر ما يقرّر الصّداق، فأي الزّوجين عفا لصاحبه عمّا وجب له من المهر - والعافي جائز التّصرف - برئ منه صاحبه، سواء كان المعفو عنه عيناً أو ديناً، فإن كان المعفو عنه ديناً سقط بلفظ الهبة والتّمليك والإسقاط والإبراء والعفو والصّدقة والتّرك، ولا يفتقر إسقاطه إلى القبول كسائر الديون‏.‏

وإن كان المعفو عنه عيناً في يد أحدهما فعفا الّذي هو في يده فهو هبة يصح بلفظ العفو والهبة والتّمليك، ولا يصح بلفظ الإبراء والإسقاط، لأنّ الأعيان لا تقبل ذلك أصالةً، ويفتقر لزوم العفو عن العين ممّن هي بيده إلى القبض فيما يشترط فيه القبض، لأنّ ذلك هبة حقيقة ولا تلزم إلّا بالقبض، والقبض في كلّ شيء بحسبه‏.‏

ولا يملك الأب العفو عن نصف مهر ابنته الصّغيرة إذا طلقت - ولو قبل الدخول - كثمن مبيعها، ولا يملك الأب أيضاً العفو عن شيء من مهر ابنته الكبيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول لأنّه لا ولاية له عليها‏.‏

ولا يملك غير الأب من الأولياء كالجدّ والأخ والعمّ العفو عن شيء من مهر وليّته ولو طلقت قبل الدخول لأنّه لا ولاية لهم في المال‏.‏

تعجيل المهر وتأجيله

22 - يرى الحنفيّة والشّافعيّة جواز كون كلّ المهر معجّلاً أو مؤجّلاً وجواز كون بعضه معجّلاً وبعضه مؤجّلاً‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه إذا سمّى المهر في عقد النّكاح وأطلق فالمرجع في معرفة مقدار المعجّل من المهر هو العرف، قال ابن الهمام‏:‏ يتناول المعجّل عرفاً وشرطاً، فإن كان قد شرط تعجيل كلّه فلها الامتناع حتّى تستوفيه كلّه، أو بعضه فبعضه‏.‏

وإن لم يشترط تعجيل شيء بل سكتوا عن تعجيله وتأجيله‏:‏ فإن كان عرف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه إلى الميسرة أو الطّلاق فليس لها أن تحتبس إلّا إلى تسليم ذلك القدر‏.‏

قال في فتاوى قاضيخان‏:‏ إن لم يبيّنوا قدر المعجّل ينظر إلى المرأة وإلى المهر‏:‏ أنّه كم يكون المعجّل لمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر ‏؟‏ فيعجّل ذلك، ولا يتقدّر بالربع والخمس بل يعتبر المتعارف، فإنّ الثّابت عرفاً كالثّابت شرطاً بخلاف ما إذا شرط تعجيل الكلّ إذ لا عبرة بالعرف إذا جاء الصّريح بخلافه‏.‏

والحنفيّة متّفقون فيما بينهم على صحّة تأجيل المهر إلى غاية معلومة نحو شهر أو سنة‏.‏ أما إذا كان التّأجيل لا إلى غاية معلومة فقد اختلف مشايخ الحنفيّة فيه‏:‏

فعلى القول الصّحيح يصح هذا التّأجيل لأنّ الغاية معلومة في نفسها وهو الطّلاق أو الموت‏.‏

وبناءً على هذا الاختلاف تختلف آراء مشايخ الحنفيّة فيما إذا فرض نصف المهر معجّلاً ونصفه مؤجّلاً ولم يذكر الوقت للمؤجّل، إذ قال بعضهم‏:‏ لا يجوز الأجل ويجب حالاً، وقال بعضهم يجوز ويقع ذلك على وقت وقوع الفرقة بالموت أو بالطّلاق، وروي عن أبي يوسف ما يؤيّد هذا القول‏.‏

والأصل عند المالكيّة استحباب كون المهر معجّلاً‏.‏

ولو شرط الأجل في الصّداق فقال عبد الملك‏:‏ كان مالك وأصحابه يكرهون أن يكون شيء من المهر مؤخّراً، وكان مالك يقول‏:‏ إنّما الصّداق فيما مضى ناجزٌ كله، فإن وقع منه شيء مؤخّراً فلا أحب أن يطول الأجل في ذلك‏.‏

ويشترط فقهاء المالكيّة لجواز تأجيل الصّداق معلوميّة الأجل حيث قالوا‏:‏ وجاز تأجيل الصّداق كلاً أو بعضاً للدخول إن علم وقت الدخول عندهم كالشّتاء أو الصّيف، لا إن لم يعلم، فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل على المشهور‏.‏

ومقابل المشهور جواز ذلك وإن لم يكن وقت الدخول معلوماً لأنّ الدخول بيد المرأة فهو كالحالّ متى شاءت أخذته‏.‏

وجاز تأجيل الصّداق إلى الميسرة إن كان الزّوج مليّاً بالقوّة، بأن كان له سلع يرصد بها الأسواق أو له معلوم في وقف أو وظيفة، لا إن كان معدماً، ويفسخ قبل الدخول لمزيد الجهالة‏.‏

وذكر ابن الموّاز عن ابن القاسم في تأخير الأجل إلى السّنتين والأربع، وذكر عن ابن وهب إلى السّنة، ثمّ حكي عن ابن وهب أنّه قال‏:‏ لا يفسخ النّكاح إلّا أن يزيد الأجل إلى أكثر من العشرين‏.‏

وحكي عن ابن القاسم أنّه يفسخه إلى الأربعين فما فوق، ثمّ حكى أنّه يفسخه إلى الخمسين والسّتّين‏.‏

قال فضل بن سلمة‏:‏ لأنّهم قالوا‏:‏ إنّ الأجل الطّويل مثل ما لو تزوّجها إلى موتٍ أو فراق‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ وما قصر من الأجل فهو أفضل وإن بعد لم أفسخه إلّا أن يجاوز ما قاله ابن القاسم، وإن كانت الأربعون في ذلك كثيراً‏.‏

وإن كان بعض الصّداق مؤخّراً إلى غير أجل فإنّ مالكاً كان يفسخه قبل البناء ويمضيه بعده، وترد المرأة إلى صداق مثلها معجّلاً كله إلّا أن يكون صداق مثلها أقلّ من المعجّل فلا تنقص منه، أو أكثر من المعجّل، والمؤجّل فتوفّى تمام ذلك إلّا أن يرضى النّاكح بأن يجعل المؤخّر معجّلاً كله مع النّقد منه فيمضي النّكاح، فلا يفسخ لا قبل البناء ولا بعده، ولا ترد المرأة إلى صداق مثلها، فإن كره النّاكح أن يجعله معجّلاً كله، ورضيت المرأة أن تسقط المؤخّر وتقتصر على النّقد مضى النّكاح ولا كلام للنّاكح‏.‏

واستثنى ابن القاسم من هذا الحكم وجهاًً واحداً وهو‏:‏ إذا ردّت المرأة بعد البناء إلى صداق مثلها فوجد صداق مثلها أكثر من المعجّل والمؤخّر فإنّ ابن القاسم قال‏:‏ كما لا ينقص إذا قلّ صداق مثلها من مقدار المعجّل، كذلك لا يزاد إذا ارتفع على مقدار، المعجّل والمؤخّر‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز أن يكون المهر حالاً ومؤجّلاً، وللزّوجة حبس نفسها ولو بلا عذر لتقبض المهر المعيّن والحالّ، لا المؤجّل فلا تحبس نفسها بسببه لرضاها بالتّأجيل‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يصح جعل بعض المهر حالاً وبعضه يحل بالموت أو الفراق، ولا يصح تأجيل المهر إلى أجل مجهول كقدوم زيد‏.‏

وإذا سمّى الصّداق في العقد وأطلق فلم يقيّد بحلول ولا تأجيل صحّ، ويكون الصّداق حالاً لأنّ الأصل عدم الأجل‏.‏

وإن فرض الصّداق مؤجّلاً أو فرض بعضه مؤجّلاً إلى وقتٍ معلوم أو إلى أوقاتٍ كل جزء منه إلى وقتٍ معلوم صحّ لأنّه عقد معاوضة فجاز ذلك فيه كالثّمن، وهو إلى أجله، سواء فارقها أو أبقاها كسائر الحقوق المؤجّلة‏.‏

وإن أجّل الصّداق أو أجّل بعضه ولم يذكر محلّ الأجل صحّ نصاً ومحله الفرقة البائنة فلا يحل مهر الرّجعيّة إلّا بانقضاء عدّتها‏.‏

قبض المهر

23 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ للأب والجدّ والقاضي قبض مهر البكر صغيرةً كانت أو كبيرةً إلّا إذا نهت وهي بالغة صحّ النّهي، وليس لغيرهم ذلك، والوصي يملك ذلك على الصّغيرة، والبنت البالغة حق القبض لها دون غيرها‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ من يتولّى قبض المهر هو الولي المجبر ‏"‏ الأب أو وصيه أو السّيّد ‏"‏ أو ولي الزّوجة السّفيهة، أما إذا لم يكن للسّفيهة وليّ ولا مجبر فلا يقبض صداقها إلّا الحاكم، فإن شاء قبضه واشترى لها به جهازاً وإن شاء عيّن لها من يقبضه ويصرفه فيما يأمره به ممّا يجب لها‏.‏

فإن لم يكن حاكم، أو لم يمكن الرّفع إليه، أو خيف على الصّداق منه حضر الزّوج والولي والشّهود فيشترون لها بصداقها جهازاً ويدخلونه في بيت البناء‏.‏

فإن لم يكن مجبر ولا ولي سفيهة من حاكم أو مقدّم عليها منه فالمرأة الرّشيدة هي الّتي تقبض مهرها لا من يتولّى عقدها إلّا بتوكيل منها في قبضه‏.‏

فإن قبض المهر غير المجبر وولي السّفيهة والمرأة الرّشيدة بلا توكيل ممّن له القبض فضاع ولو ببيّنة من غير تفريط كان ضامناً له لتعدّيه بقبضه، واتّبعته الزّوجة أو تبعت الزّوج لتعدّيه بدفع المهر لغير من له قبضه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الأب إذا قبض مهر ابنته لم يخل حالها من أحد أمرين‏:‏ إمّا أن يكون مولّىً عليها، أو رشيدةً‏:‏

فإن كانت مولّىً عليها لصغر أو جنون، أو سفهٍ جاز له قبض مهرها لاستحقاقه الولاية على مالها، ولو قبضته من زوجها لم يصحّ ولم يبرأ الزّوج منه إلّا أن يبادر الأب إلى أخذه منها فيبرأ الزّوج حينئذٍ منه‏.‏

وإن كانت بالغةً عاقلةً رشيدةً فعلى ضربين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تكون ثيّباً لا تجبر على النّكاح، فليس للأب قبض مهرها إلّا بإذنها، فإن قبضه بغير إذنها لم يبرأ الزّوج منه، كما لو قبض لها ديناً أو ثمناً‏.‏

والضّرب الثّاني‏:‏ أن تكون بكراً يجبرها أبوها على النّكاح فالصّحيح أنّه لا يملك قبض مهرها إلّا بإذنها، فإن قبضه بغير إذن لم يبرأ الزّوج منه، وجعل له بعض الشّافعيّة قبض مهرها لأنّه يملك إجبارها على النّكاح كالصّغيرة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ للأب والوليّ قبض مهر المحجور عليها لصغر أو سفهٍ أو جنون لأنّه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها‏.‏

ولا يقبض الأب صداق مكلّفة رشيدة ولو بكراً إلّا بإذنها لأنّها المتصرّفة في مالها فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها، فإن سلّم زوج رشيدة الصّداق للأب بغير إذنها لم يبرأ الزّوج بتسليمه له فترجع هي على الزّوج لأنّه مفرّطٌ ويرجع هو على الأب بما غرمه‏.‏

ضمان المهر

24 - صرّح الحنفيّة بأنّه يصح ضمان الوليّ مهر الزّوجة سواء كان ولي الزّوج أو الزّوجة، صغيرين كانا أو كبيرين، أما ضمان وليّ الكبير منهما فظاهر لأنّه كالأجنبيّ، وأمّا ولي الصّغيرين فلأنّه سفير ومعبّر‏.‏

جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ زوّج ابنته الصّغيرة أو الكبيرة - وهي بكر أو مجنونة - رجلاً وضمن عنه مهرها صحّ ضمانه، ثمّ هي بالخيار‏:‏ إن شاءت طالبت زوجها أو وليّها إن كانت أهلاً لذلك، ويرجع الولي بعد الأداء على الزّوج إن ضمن بأمره‏.‏

ويشترط الحنفيّة لصحّة هذا الضّمان شرطين‏:‏

الأوّل‏:‏ أن يكون الضّمان في حال صحّة الضّامن، فلو كفل في مرض موته والمكفول عنه أو المكفول له وارثه لم يصحّ الضّمان لأنّه تبرع لوارثه في مرض موته‏.‏

قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ إذا حصل الضّمان في مرض الموت فهو باطل، لأنّه قصد بهذا الضّمان إيصال النّفع إلى الوارث، والمريض محجور عن ذلك فلا يصح‏.‏

الثّاني‏:‏ قبول المرأة أو وليّها أو فضولي في مجلس الضّمان، إذ لا تصح الكفالة بنوعيها ‏"‏ بالنّفس والمال ‏"‏ بلا قبول الطّالب أو نائبه ولو فضوليّاً في مجلس العقد‏.‏

منع الزّوجة نفسها حتّى تقبض مهرها

25 - اتّفق الفقهاء على أنّ للمرأة منع نفسها حتّى تقبض مهرها، لأنّ المهر عوضٌ عن بضعها، كالثّمن عوضٌ عن المبيع، وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثّمن فكان للمرأة حق حبس نفسها لاستيفاء المهر‏.‏

هذا إذا كان المهر حالاً ولم يحصل وطء ولا تمكين‏.‏

26 - فإن تطوّعت المرأة بتسليم نفسها قبل قبض المهر، ثمّ أرادت بعد التّسليم أن تمتنع عليه لقبض المهر فقد اختلف الفقهاء في المسألة‏:‏

فيرى أبو حنيفة وأبو عبد اللّه بن حامد من الحنابلة أنّه لو دخل الزّوج بزوجته برضاها وهي مكلّفة فلها أن تمنع نفسها حتّى تأخذ المهر، لأنّ المهر مقابل بجميع ما يستوفى من منافع البضع في جميع الوطآت الّتي توجد في هذا الملك، لا بالمستوفى بالوطأة الأولى خاصّةً، لأنّه لا يجوز إخلاء شيء من منافع البضع عن بدل يقابله احتراماً للبضع وإبانةً لخطره، فكانت هي بالمنع ممتنعةً عن تسليم ما يقابله بدل، فكان لها ذلك بالوطء في المرّة الأولى، فكان لها أن تمنعه عن الأوّل حتّى تأخذ مهرها فكذا عن الثّاني والثّالث‏.‏

جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ في كلّ موضع دخل بها أو صحّت الخلوة وتأكّد كل المهر لو أرادت أن تمنع نفسها لاستيفاء المعجّل كان لها ذلك عند أبي حنيفة خلافاً للصّاحبين‏.‏

وذهب المالكيّة في المعتمد والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ المرأة ليس لها منع نفسها لقبض المهر الحالّ بعد أن سلّمت نفسها ومكّنته من الوطء قبل قبضه لأنّ التّسليم استقرّ به العوض برضا المسلم، فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك، كما لو سلّم البائع المبيع‏.‏ وهذا هو مذهب الشّافعيّة وابن عرفة من المالكيّة إذا كان الزّوج وطئها بعد التّسليم، أمّا إذا لم يجر وطء فلها العود إلى الامتناع ويكون الحكم كما قبل التّمكين‏.‏

27 - أمّا إذا كان المهر مؤجّلاً إلى أجل معلوم فيرى جمهور الفقهاء أنّ عليها تسليم نفسها وليس لها الامتناع لقبض المهر ولو حلّ الأجل قبل الدخول، لأنّها قد رضيت بتأخير حقّها وتعجيل حقّه، فصار كالبيع بالثّمن المؤجّل يجب على البائع تسليم المبيع قبل قبض الثّمن‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لها أن تمنع نفسها بالمؤجّل، لأنّ حقّ الاستمتاع بها بمقابلة تسليم المهر، فمتى طلب الزّوج تأجيل المهر فقد رضي بتأخير حقّه في الاستمتاع‏.‏

28 - ولو كان بعض المهر حالاً وبعضه مؤجّلاً معلوماً، فيرى الحنفيّة بالاتّفاق أنّه ليس لها أن تمنع نفسها، أمّا عند أبي حنيفة ومحمّد فلأنّ الزّوج ما رضي بإسقاط حقّه، وأمّا عند أبي يوسف فلأنّه لمّا عجّل البعض لم يرض بتأخير حقّه في الاستمتاع‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن نكح بنقد وآجل، فإن دفع النّقد كان له البناء، وإن لم يجد تلوّم له الإمام وضرب له أجلاً بعد أجل، فإن لم يقدر فرّق بينهما‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه إذا كان بعض صداقها حالاً وبعضه مؤجّلاً فيصح إذا كان قدر الحالّ منه معلوماً وأجل المؤجّل معلوماً، ولها أن تمتنع من تسليم نفسها لقبض الحالّ، وليس لها أن تمتنع من تسليم نفسها لقبض المؤجّل، فيكون حكم الحالّ منه كحكمه لو كان جميعه حالاً، وحكم المؤجّل منه كحكمه لو كان جميعه مؤجّلاً، فلو تراخى التّسليم حتّى حلّ المؤجّل كان لها منع نفسها على قبض المعجّل دون ما حلّ من المؤجّل‏.‏

وبهذا يقول الحنابلة، فقد قال ابن قدامة‏:‏ وإن كان بعضه حالاً وبعضه مؤجّلاً فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل‏.‏

ما يتأكّد به المهر

29 - الأصل أنّ الزّوجة تملك الصّداق بمجرّد العقد حالاً كان أو مؤجّلاً لأنّ عقد النّكاح عقد يملك الزّوج به العوض، فتملك الزّوجة به المعوّض كاملاً كالبيع، ولكن هذا الملك عرضة للسقوط كلاً أو بعضاً ما دام لم يوجد ما يؤكّد المهر ويقرّره‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على اعتبار بعض الأمور مؤكّدةً للمهر، واختلفوا في بعضها الآخر، وفيما يلي مؤكّدات المهر مع بيان موقف المذاهب المختلفة منها‏:‏

أ - الوطء ‏"‏ الدخول ‏"‏‏:‏

30 - اتّفق الفقهاء على أنّ المهر يتأكّد بوطء الزّوج زوجته، وإن كان الوطء حراماً لوقوعه في الحيض أو الإحرام، لأنّ وطء الشّبهة يوجب المهر ابتداءً فذا أولى بالتّقرير ويستقر بوطأة واحدة‏.‏

وقال الرحيباني‏:‏ ويتّجه احتمال أنّ المعتبر وقوع الوطء من ابن عشر فأكثر، إذ من كان سنه دونها فوجود الوطء منه كعدمه، وكذا لا بدّ من حصول الوطء في بنت تسع فأكثر لأنّها قبل ذلك لم تتأهّل لوطء الرّجل عادةً ولا هي محل للشّهوة غالباً‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ وطء‏)‏‏.‏

ب - الموت‏:‏

31 - اتّفق الفقهاء على أنّ أحد الزّوجين إذا مات حتف أنفه قبل الدخول في نكاح فيه تسمية مهر أنّه يتأكّد المسمّى، سواء كانت المرأة حرّةً أو أمةً، لأنّ المهر كان واجباً بالعقد، والعقد لم ينفسخ بالموت، بل انتهى نهايته، لأنّه عقد للعمر، فتنتهي نهايته عند انتهاء العمر، وإذا انتهى يتأكّد فيما مضى ويتقرّر بمنزلة الصّوم يتقرّر بمجيء اللّيل فيتقرّر الواجب، ولأنّ كلّ المهر لمّا وجب بنفس العقد فصار ديناً عليه - والموت لم يعرف مسقطاً للدّين في أصول الشّرع - فلا يسقط شيء منه بالموت كسائر الديون‏.‏

وإذا تأكّد المهر لم يسقط منه شيء‏.‏

32 - وكذلك المهر يتأكّد عند الحنفيّة والحنابلة إذا قتل أحد الزّوجين، سواء كان قتله أجنبيّ أو قتل أحدهما صاحبه أو قتل الزّوج نفسه، لأنّ النّكاح قد بلغ غايته فقام ذلك مقام استيفاء المنفعة‏.‏

وإذا قتلت المرأة نفسها فإن كانت حرّةً لا يسقط عن الزّوج شيء من المهر، بل يتأكّد الكل عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّ الموت بحكم الشّرع كالموت المتيقّن في تأكيد المهر، وذلك كالمفقود في بلاد المسلمين فإنّه بعد مضيّ مدّة التّعمير يحكم الحكّام بموته‏.‏

ويتأكّد المهر عندهم في حالة ما إذا قتلت الزّوجة نفسها كرهاً في زوجها، أو قتل السّيّد أمته المتزوّجة، فلا يسقط الصّداق عن زوجها، وقالوا‏:‏ يبقى النّظر في قتل المرأة زوجها هل تعامل بنقيض مقصودها ولا يتكمّل صداقها أو يتكمّل ‏؟‏‏.‏

واستظهر العدوي في حاشيته أنّه لا يتكمّل لها لاتّهامها، لئلّا يكون ذريعةً لقتل النّساء أزواجهنّ‏.‏

واستثنى الشّافعيّة من أصل استقرار المهر بموت أحد الزّوجين مسائل‏.‏

قال النّووي في معرض تفصيله للمسألة‏:‏ هلاك المنكوحة بعد الدخول لا يسقط شيئاً من المهر، حرّةً كانت أو أمةً، سواء هلكت بموت أو قتل‏.‏

فأمّا إذا هلكت قبل الدخول فإن قتل السّيّد أمته المزوّجة، فالنّص في ‏"‏ المختصر ‏"‏‏:‏ أن لا مهر، ونصّ في ‏"‏ الأمّ ‏"‏ في الحرّة إذا قتلت نفسها‏:‏ لا يسقط شيء من المهر‏.‏

ثمّ الحرّة إذا ماتت أو قتلها الزّوج أو أجنبيّ لم يسقط مهرها قطعاً، وكذا لو قتلت نفسها على المذهب‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ موت‏)‏‏.‏

ج - الخلوة‏:‏

33 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ الخلوة الصّحيحة من المعاني الّتي يتأكّد بها المهر، حتّى لو خلا رجل بامرأته خلوةً صحيحةً ثمّ طلّقها قبل الدخول بها في نكاح فيه تسمية يجب عليه كمال المسمّى، وإن لم يكن في النّكاح تسمية يجب عليه كمال مهر المثل‏.‏

وأمّا المالكيّة فالخلوة بمجرّدها لا تقرّر المهر عندهم إلّا أن يطول المقام فيتقرّر الكمال على أحد القولين عندهم، لأنّ الجهاز قد تغيّر واللّذّة قد حصلت ودامت‏.‏

ثمّ اختلف قائلو هذا القول في ضبط مدّة الطول فقيل‏:‏ سنة، وقيل‏:‏ ما يعد طولاً في العادة‏.‏ قال ابن شاسٍ‏:‏ ثمّ حيث قلنا إنّ الخلوة بمجرّدها لا تقرّر، فإنّها تؤثّر في جعل القول قولها في بعض الصور إذا تنازعا في الوطء لأجل التّقرير، كما إذا خلا بها خلوة البناء، فالمذهب أنّ القول قولها، وقيل‏:‏ إن كانت بكراً نظر إليها النّساء، وتثبت خلوة البناء ‏"‏ خلوة الاهتداء ‏"‏ ولو بامرأتين أو باتّفاق الزّوجين عليها‏.‏

وأمّا في خلوة الزّيارة فالقول قول الزّائر منهما جرياً على مقتضى العادة‏.‏

قال الدّردير‏:‏ وإن زار أحدهما الآخر وتنازعا في الوطء صدّق الزّائر منهما بيمين، فإن زارته صدّقت أنّه وطئها ولا عبرة بإنكاره، وإن زارها صدّق في نفيه ولا عبرة بدعواها الوطء، لأنّ له جرأةً عليها في بيته دون بيتها، فليس المراد أنّ الزّائر يصدّق مطلقاً في النّفي والإثبات، فإن كان معاً زائرين صدّق في نفيه‏.‏

ويرى الشّافعيّة على الجديد أنّ الخلوة لا تقرّر المهر ولا تؤثّر فيه، وعلى هذا لو اتّفقا على الخلوة وادّعت الإصابة لم يترجّح جانبها، بل القول قوله بيمينه‏.‏

وللتّفصيل في شروط الخلوة الّتي يترتّب عليها أثرها في تقرير المهر ‏(‏ر‏:‏ خلوة ف / 14 وما بعدها‏)‏‏.‏

د - مقدّمات الجماع‏:‏

34 - صرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّ القبلة والمباشرة والتّجرد والوطء دون الفرج لا يوجب عليه الصّداق ولا يستقر به المهر‏.‏

وزاد الشّافعيّة ولا باستدخال مني‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالمنصوص عن أحمد أنّه يكمّل به الصّداق فإنّه قال‏:‏ إذا أخذها فمسّها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصّداق كاملاً إذا نال منها شيئاً لا يحل لغيره، وقال في رواية مهنّا‏.‏ إذا تزوّج امرأةً ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر، ورواه عن إبراهيم‏:‏ إذا اطّلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر، لأنّه نوع استمتاع فهو كالقبلة‏.‏

قال القاضي‏:‏ يحتمل أنّ هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك، وفيه روايتان، فيكون في تكميل الصّداق به وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يكمّل به الصّداق لما روي عن محمّد بن عبد الرّحمن بن ثوبان قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصّداق دخل بها أو لم يدخل بها»، ولأنّه مسيسٌ فيدخل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ‏}‏، ولأنّه استمتاع بامرأته فكمّل به الصّداق كالوطء‏.‏

والوجه الآخر‏:‏ لا يكمّل به الصّداق وهو قول أكثر الفقهاء لأنّ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ إنّما أريد به في الظّاهر الجماع، ومقتضى قوله‏:‏ ‏{‏وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ أن لا يكمّل الصّداق لغير من وطئها، ولا تجب عليها العدّة، ترك عمومه فيمن خلا بها للإجماع الوارد عن الصّحابة، فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم‏.‏

هـ - إزالة البكارة بغير آلة الجماع‏:‏

35 - صرّح الحنفيّة بأنّه لو أزال الزّوج بكارة زوجته بحجر ونحوه فإنّ لها كمال المهر بخلاف ما لو أزالها بدفعة فإنّه يجب نصف المسمّى على الزّوج وعلى الأجنبيّ نصف صداق مثلها‏.‏

واستظهر ابن عابدين دخول صورة إزالة البكارة بغير آلة الجماع في الخلوة باعتبار أنّ العادة جرت على أنّ إزالة البكارة بحجر ونحوه كإصبع إنّما تكون في الخلوة فلذا أوجب كلّ المهر بخلاف إزالتها بدفعة فإنّ المراد حصولها في غير خلوة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ من دفع امرأةً فسقطت عذرتها فعليه ما نقصها بذلك من صداقها عند الأزواج، وعليه الأدب، وكذا لو أزالها بإصبعه والأدب هنا أشد، وسواء فعل ذلك رجل أو غلام أو امرأة‏.‏

هذا في غير الزّوج، وأمّا الزّوج فحكمه في الدّفعة مثل غيره عليه ما نقصها عند غيره وإن فارقها ولم يمسكها‏.‏

وإن فعل بها ذلك بإصبعه فاختلف‏:‏ هل يجب عليه بذلك الصّداق أو لا يجب عليه بذلك الصّداق، وإنّما يجب عليه ما شانها عند غيره من الأزواج إن طلّقها ولم يمسكها ‏؟‏ قولان، وقال في التّوضيح‏:‏ إن أصابها بإصبعه وطلّقها فإن كانت ثيّباً فلا شيء لها، وإن كانت بكراً وافتضّها به فقيل‏:‏ يلزمه كل المهر، وقيل‏:‏ يلزمه ما شانها مع نصفه، وقيل‏:‏ إن رئي أنّها لا تتزوّج بعد ذلك إلّا بمهر ثيّب فكالأوّل وإلّا فكالثّاني‏.‏ ومال أصبغ إلى الثّاني واستحسنه اللّخمي، قال في النّوادر‏:‏ ولا أدب عليه‏.‏ ولو فعل ذلك غير زوجها فعليه الأدب وما شانها، وقال في التّوضيح‏:‏ وإذا كان الزّوج غير بالغٍ فلا يتكمّل بوطئه الصّداق‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّ المهر لا يستقر بإزالة البكارة بغير آلة الجماع‏.‏

و - وجوب العدّة على الزّوجة من النّكاح‏:‏

36 - اعتبر بعض الحنفيّة وجوب العدّة عليها منه مؤكّداً من مؤكّدات المهر، حيث قالوا‏:‏ لو طلّق الزّوج زوجته طلاقاً بائناً بعد الدخول ثمّ تزوّجها في العدّة وجب كمال المهر الثّاني بدون الخلوة والدخول لأنّ وجوب العدّة عليها فوق الخلوة‏.‏

وجوب نصف المهر المسمّى

37 - اتّفق الفقهاء على أنّ من طلّق زوجته قبل الدخول بها وقد سمّى لها مهراً يجب عليه نصف المهر المسمّى لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏، وهو نص صريح في الباب فيجب العمل به‏.‏

وللفقهاء بعد هذا الاتّفاق تفصيل في أحكام تنصيف المهر‏:‏

أ - مواضع تنصف المهر‏:‏

38 - قال الحنفيّة‏:‏ ما يسقط به نصف المهر نوعان‏:‏

نوع يسقط به نصف المهر صورةً ومعنىً، ونوع يسقط به نصف المهر معنىً والكل صورة‏.‏

أمّا النّوع الأوّل‏:‏ فهو الطّلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر، والمهر دين لم يقبض بعد‏.‏

وأمّا النّوع الثّاني‏:‏ وهو ما يسقط به نصف المهر معنىً والكل صورة فهو كل طلاق تجب فيه المتعة‏.‏

وتجب المتعة عند الحنفيّة في الطّلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه ولا فرض بعده، أو كانت التّسمية فيه فاسدةً، وكذا في الفرقة بالإيلاء واللّعان والجبّ والعنّة، فكل فرقة جاءت من قبل الزّوج قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه توجب المتعة، لأنّها توجب نصف المسمّى في نكاح فيه تسمية، والمتعة عوضٌ عنه كردّة الزّوج وإبائه الإسلام‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّ اختيار الزّوج لإيقاع الطّلاق قبل المسيس يوجب تشطير المهر الثّابت بتسمية مقرونة بالعقد صحيحة، أو بفرض صحيح بعد العقد في المفوّضة، ويستوي فيه عدد الموقع من الطّلاق، وأمّا إذا أرادت الزّوجة ردّ زوجها بعيب به قبل البناء فطلّق عليه لامتناعه منه، أو فسخ الزّوج النّكاح لعيب بها قبل البناء فإنّه لا شيء لها على الزّوج‏.‏ قال ابن شاسٍ‏:‏ وإنّما يسقط جميع المهر قبل المسيس بالفسخ أو باختياره ردّها لعيبها، وفي اختيارها لردّه بعيبه خلاف لأنّه غار، ولا صداق لها فيما سوى ذلك‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يتشطّر الصّداق بالطّلاق والخلع قبل الدخول، وفيما إذا طلّقت نفسها بتفويضه إليها، أو علّق طلاقها بدخول الدّار فدخلت، أو طلّقها بعد مدّة الإيلاء بطلبها، وبكلّ فرقة تحصل لا بسبب من المرأة، بأن أسلم، أو ارتدّ، أو أرضعت أم الزّوجة الزّوج وهو صغير، أو أم الزّوج أو ابنته الزّوجة الصّغيرة، أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة وهي تظنه زوجها، أو قذفها ولاعن‏.‏

فأمّا إذا كان الفراق منها أو بسبب منها بأن أسلمت، أو ارتدّت أو فسخت النّكاح بعتق أو عيب، أو أرضعت زوجةً أخرى له صغيرةً، أو فسخ النّكاح بعيبها فيسقط جميع المهر، وشراؤها زوجها يسقط الجميع على الأصحّ، وشراؤه زوجته يشطّر على الأصحّ‏.‏

ويرى الحنابلة أنّ المهر يتنصّف بشراء الزّوجة زوجها، وفرقة من قبله كطلاقه وخلعه - ولو بسؤالها - وإسلامه ما عدا مختارات من أسلم، وردّته وشرائه إيّاها ولو من مستحقّ مهر أو من قبل أجنبي - كرضاع ونحوه - قبل دخول‏.‏

ب - كيفيّة تنصف المهر‏:‏

39 - قال الحنفيّة‏:‏ إنّ الطّلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية قد يسقط به عن الزّوج نصف المهر، وقد يعود به إليه النّصف، وقد يكون له به مثل النّصف صورةً ومعنىً، أو معنىً لا صورةً‏.‏

وبيان هذه الجملة‏:‏ أنّ المهر المسمّى إمّا أن يكون ديناً، وإمّا أن يكون عيناً، وكل ذلك لا يخلو إمّا أن يكون مقبوضاً، وإمّا أن يكون غير مقبوض‏.‏

فإن كان ديناً فلم يقبضه حتّى طلّقها قبل الدخول بها سقط نصف المسمّى بالطّلاق وبقي النّصف، وهذا طريق عامّة مشايخ الحنفيّة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنّ الطّلاق قبل الدخول يسقط جميع المسمّى وإنّما يجب نصف آخر ابتداءً على طريقة المتعة لا بالعقد، إلّا أنّ هذه المتعة مقدّرة بنصف المسمّى، والمتعة في الطّلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه غير مقدّرة بنصف مهر المثل‏.‏

وإلى هذا الطّريق ذهب الكرخي والرّازي، وكذا روي عن إبراهيم النّخعيّ أنّه قال في الّذي طلّق قبل الدخول وقد سمّى لها‏:‏ أنّ لها نصف المهر وذلك متعتها‏.‏

وهذا إذا كان المهر ديناً فقبضته أو لم تقبضه حتّى ورد الطّلاق قبل الدخول‏.‏

فأمّا إذا كان المهر عيناً بأن كان معيّناً مشاراً إليه ممّا يحتمل التّعيين كالعبد والجارية وسائر الأعيان فلا يخلو‏:‏ إمّا إن كان بحاله لم يزد ولم ينقص، وإمّا أن زاد أو نقص‏.‏

فإن كان بحاله لم يزد ولم ينقص‏:‏ فإن كان غير مقبوض فطلّقها قبل الدخول بها عاد الملك في النّصف إليه بنفس الطّلاق ولا يحتاج للعود إليه إلى الفسخ والتّسليم منها، حتّى لو كان المهر أمةً فأعتقها الزّوج قبل الفسخ والتّسليم ينفذ إعتاقه في نصفها بلا خلاف‏.‏

وإن كان مقبوضاً لا يعود الملك في النّصف إليه بنفس الطّلاق ولا ينفسخ ملكها في النّصف حتّى يفسخه الحاكم أو تسلّمه المرأة‏.‏

هذا إذا كان المهر لم يزد ولم ينقص‏.‏

فأمّا إذا زاد فالزّيادة لا تخلو‏:‏ إمّا أن كانت في المهر أو على المهر‏:‏ فإن كانت على المهر بأن سمّى الزّوج لها ألفاً ثمّ زادها بعد العقد مائةً ثمّ طلّقها قبل الدخول بها، فلها نصف الألف وبطلت الزّيادة في ظاهر الرّواية‏.‏

وروي عن أبي يوسف أنّ لها نصف الألف ونصف الزّيادة أيضاً‏.‏

وإن كانت الزّيادة في المهر فالمهر لا يخلو‏:‏ إمّا أن يكون في يد الزّوج وإمّا أن يكون في يد المرأة‏.‏

فإن كان في يد الزّوج فالزّيادة لا تخلو أمّا إن كانت متّصلةً بالأصل، وإمّا إن كانت منفصلةً عنه‏.‏

والمتّصلة لا تخلو من أن تكون متولّدةً من الأصل كالسّمن والكبر والجمال والبصر والسّمع والنطق وانجلاء بياض العين وزوال الخرس والصّمم، والشّجر إذا أثمر، والأرض إذا زرعت، أو غير متولّدة منه كالثّوب إذا صبغ، والأرض إذا بني فيها بناء، وكذا المنفصلة لا تخلو‏:‏ أمّا إن كانت متولّدةً من الأصل كالولد والوبر والصوف إذا جزّ، والشّعر إذا أزيل، والثّمر إذا جدّ، والزّرع إذا حصد، أو كانت في حكم المتولّد منه كالأرش والعقر‏.‏

وأمّا إن كانت غير متولّدة منه، ولا في حكم المتولّد كالهبة والكسب‏.‏

فإن كانت الزّيادة متولّدةً من الأصل أو في حكم المتولّد فهي مهر، سواء كانت متّصلةً بالأصل أو منفصلةً عنه، حتّى لو طلّقها قبل الدخول بها يتنصّف الأصل والزّيادة جميعاً بالإجماع، لأنّ الزّيادة تابعة للأصل لكونها نماء الأصل، والأرش بدل جزء هو مهر فليقوم مقامه، والعقر بدل ما هو في حكم الجزء فكان بمنزلة المتولّد من المهر‏.‏ فإذا حدثت قبل القبض - وللقبض شبه بالعقد - فكان وجودها عند القبض كوجودها عند العقد، فكانت محلاً للفسخ‏.‏

وإن كانت غير متولّدة من الأصل‏:‏ فإن كانت متّصلةً بالأصل فإنّها تمنع التّنصيف، وعليها نصف قيمة الأصل لأنّ هذه الزّيادة ليست بمهر - لا مقصوداً ولا تبعاً - لأنّها لم تتولّد من المهر فلا تكون مهراً فلا تتنصّف، ولا يمكن تنصيف الأصل بدون تنصيف الزّيادة، فامتنع التّنصيف، فيجب عليها نصف قيمة الأصل يوم الزّيادة، لأنّها بالزّيادة صارت قابضةً للأصل فتعتبر قيمته يوم حكم بالقبض‏.‏

وإن كانت الزّيادة منفصلةً عن الأصل فالزّيادة ليست بمهر، وهي كلها للمرأة في قول أبي حنيفة ولا تتنصّف ويتنصف الأصل، وعند أبي يوسف ومحمّد هي مهر فتتنصّف مع الأصل‏.‏

وإن كانت الزّيادة متّصلةً غير متولّدة من الأصل فإنّها تمنع التّنصيف، وعليها نصف قيمة الأصل‏.‏

وإن كانت منفصلةً متولّدةً من الأصل فإنّها تمنع التّنصيف في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد، وعليها رد نصف قيمة الأصل‏.‏

وقال زفر‏:‏ لا تمنع وينتصف الأصل مع الزّيادة‏.‏

وإن كانت منفصلةً غير متولّدة من الأصل فهي لها خاصّةً والأصل بينهما نصفان بإجماع الحنفيّة‏.‏

أمّا حكم النقصان‏:‏ فحدوث النقصان في المهر لا يخلو إمّا أن يكون في يد الزّوج وإمّا أن يكون في يد المرأة‏.‏

فإن كان النقصان في يد الزّوج فلا يخلو من خمسة أوجهٍ‏:‏ إمّا أن يكون بفعل أجنبي، وإمّا أن يكون بآفة سماويّة، وإمّا أن يكون بفعل الزّوج، وإمّا أن يكون بفعل المهر، وإمّا أن يكون بفعل المرأة‏.‏

وكل ذلك لا يخلو‏:‏ إمّا أن يكون قبل قبض المهر أو بعده، والنقصان فاحشٌ أو غير فاحشٍ‏.‏ فإن كان النقصان بفعل أجنبي وهو فاحشٌ قبل القبض‏:‏ فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذت العبد النّاقص واتّبعت الجاني بالأرش، وإن شاءت تركت وأخذت من الزّوج قيمة العبد يوم العقد، ثمّ يرجع الزّوج على الأجنبيّ بضمان النقصان وهو الأرش‏.‏

وإن كان النقصان بآفة سماويّة‏:‏ فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصاً ولا شيء لها غير ذلك، وإن شاءت تركته وأخذت قيمته يوم العقد‏.‏

وإن كان النقصان بفعل الزّوج، ذكر في ظاهر الرّواية أنّ المرأة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصاً وأخذت معه أرش النقصان، وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد‏.‏

وروي عن أبي حنيفة‏:‏ أنّ الزّوج إذا جنى على المهر فهي بالخيار إن شاءت أخذته ناقصاً ولا شيء لها غير ذلك، وإن شاءت أخذت القيمة‏.‏

وإن كان النقصان بفعل المهر، بأن جنى المهر على نفسه ففيه روايتان‏:‏ في رواية‏:‏ حكم هذا النقصان ما هو حكم النقصان بآفة سماويّة، وفي رواية‏:‏ حكمه حكم جناية الزّوج‏.‏ وإن كان النقصان بفعل المرأة فقد صارت قابضةً بالجناية فجعل كأنّ النقصان حصل في يدها، كالمشتري إذا جنى على المبيع في يد البائع أنّه يصير قابضاً له كذا هاهنا‏.‏

هذا إذا كان النقصان فاحشاً‏.‏

فأمّا إذا كان النقصان يسيراً فلا خيار لها كما إذا كان هذا العيب به يوم العقد‏.‏

ثمّ إن كان هذا النقصان بآفة سماويّة أو بفعل المرأة أو بفعل المهر فلا شيء لها، وإن كان بفعل الأجنبيّ تتبعه بنصف النقصان وكذا إذا كان بفعل الزّوج‏.‏

هذا إذا حدث النقصان في يد الزّوج‏.‏

فأمّا إذا حدث في يد المرأة فهذا أيضاً لا يخلو من الأقسام الّتي وصفناها‏.‏

وإن حدث بفعل أجنبي وهو فاحشٌ قبل الطّلاق فالأرش لها، فإن طلّقها الزّوج فله نصف القيمة يوم قبضت ولا سبيل له على العين، لأنّ الأرش بمنزلة الولد فيمنع التّنصيف كالولد‏.‏ وإن كانت جناية الأجنبيّ عليه بعد الطّلاق فللزّوجة نصف العبد وهو بالخيار في الأرش إن شاء أخذ نصفه من المرأة واعتبرت القيمة يوم القبض، وإن شاء اتّبع الجاني وأخذ منه نصفه‏.‏

وكذلك إن حدث بفعل الزّوج فجنايته كجناية الأجنبيّ، لأنّه جنى على ملك غيره ولا يد له فيه فصار كالأجنبيّ، والحكم في الأجنبيّ ما وصفنا‏.‏

وإن حدث بآفة سماويّة قبل الطّلاق فالزّوج بالخيار إن شاء أخذ نصفه ناقصاً ولا شيء له غير ذلك، وإن شاء أخذ نصف القيمة يوم القبض، لأنّ حقّه معها عند الفسخ كحقّه معها عند العقد، ولو حدث نقصان في يده بآفة سماويّة كان لها الخيار بين أن تأخذه ناقصاً أو قيمته، فكذا حق الزّوج معها عند الفسخ، وإن كان ذلك بعد الطّلاق فللزّوج أن يأخذ نصفه ونصف الأرش، وإن شاء أخذ قيمته يوم قبضت‏.‏

وكذلك إن حدث بفعل المرأة، فالزّوج بالخيار‏:‏ إن شاء أخذ نصفه ولا شيء له من الأرش، وإن شاء أخذ نصف قيمته عبداً عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد‏.‏

وقال زفر‏:‏ للزّوج أن يضمّنها الأرش‏.‏

وإن كان ذلك بعد الطّلاق‏:‏ فعليها نصف الأرش لأنّ حقّ الفسخ قد استقرّ‏.‏ وكذلك إن حدث بفعل المهر، فالزّوج بالخيار على الرّوايتين جميعاً‏:‏ إن شاء أخذ نصفه ناقصاً وإن شاء أخذ نصف القيمة لأنَّا إن جعلنا جناية المهر كالآفة السّماويّة لم تكن مضمونةً، وإن جعلناها كجناية المرأة لم تكن مضمونةً أيضاً، فلم تكن مضمونةً أيضاً على الرّوايتين‏.‏

هذا إذا كان النقصان فاحشاً‏.‏

فأمّا إن كان غير فاحشٍ فإن كان بفعل الأجنبيّ أو بفعل الزّوج لا يتنصّف لأنّ الأرش يمنع التّنصيف، وإن كان بآفة سماويّة أو بفعلها أو بفعل المهر أخذ النّصف ولا خيار له‏.‏

40 - وقال المالكيّة‏:‏ يتشطّر المهر في نكاح التّسمية أو التّفويض إذا فرض مهر المثل أو ما رضيت به قبل الدخول‏.‏

وقال ابن شاسٍ‏:‏ معنى التّشطير أن يرجع الملك في شطر الصّداق إلى الزّوج بمجرّد الطّلاق أو يبقى عليه‏.‏

ثمّ في معنى الصّداق في التّشطير كل ما نحله الزّوج للمرأة أو لأبيها أو لوصيّها الّذي يتولّى العقد، في العقد أو قبله لأجله، إذ هو للزّوجة إن شاءت أخذته ممّن جعل له‏.‏

وقال ابن جزي‏:‏ ما حدث في الصّداق من زيادة ونقصان قبل البناء فالزّيادة لهما والنقصان عليهما وهما شريكان في ذلك فإن تلف في يد أحدهما فما لا يغاب عليه فخسارته منهما، وما يغاب عليه خسارته ممّن هو في يده إن لم تقم بيّنة بهلاكه، فإن قامت به بيّنة، فاختلف‏:‏ هل يضمنه من كان تحت يده أم لا ‏؟‏

41 - وأمّا كيفيّة التّشطر عند الشّافعيّة ففيها أوجه‏:‏

الصّحيح‏:‏ أنّه يعود إليه نصف الصّداق بنفس الفراق‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّ الفراق يثبت له خيار الرجوع في النّصف، فإن شاء يملكه وإلّا فيتركه كالشّفعة‏.‏

والثّالث‏:‏ لا يرجع إليه إلّا بقضاء القاضي‏.‏

ولو طلّق ثمّ قال‏:‏ أسقطت خياري‏.‏

وقلنا‏:‏ الطّلاق يثبت الخيار، فقد أشار الغزالي إلى احتمالين‏:‏

أحدهما‏:‏ يسقط كخيار البيع، وأرجحهما‏:‏ لا، كما لو أسقط الواهب خيار الرجوع‏.‏

ولم يجر هذا التّردد فيما لو طلّق على أن يسلم لها كلّ الصّداق، ويجوز أن يسوّى بين الصورتين‏.‏

ولو زاد المهر بعد الطّلاق فللزّوج كل الزّيادة إذا عاد إليه كل الصّداق، أو نصفها إذا عاد إليه النّصف لحدوثها في ملكه، سواء أكانت الزّيادة متّصلةً أم منفصلةً‏.‏

فإن نقص المهر بعد الفراق ولو بلا عدوان وكان بعد قبضه فللزّوج كل الأرش أو نصفه‏.‏ فإن ادّعت حدوث النّقص قبل الطّلاق صدّقت بيمينها، وإن فارق لا بسببها - كأن طلّق والمهر تالف - فللزّوج نصف بدله من مثل في المثليّ أو قيمة في المتقوّم، لأنّه لو كان باقياً لأخذ نصفه، فإذا فات رجع بنصف بدله كما في الرّدّ بالعيب‏.‏

وإن تعيّب المهر في يد الزّوجة قبل الفراق، فإن قنع الزّوج بالنّصف معيّباً فلا أرش له، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع، وأمّا إذا لم يقنع الزّوج به فإن كان متقوّماً فله نصف قيمته سليماً، وإن كان مثليّاً فله مثل نصفه، لأنّه لا يلزمه الرّضا بالمعيب فله العدول إلى بدله‏.‏

وإن تعيّب المهر بآفة سماويّة قبل قبضها له وقنعت به فللزّوج نصفه ناقصاً بلا أرشٍ ولا خيار‏.‏

وإن صار المهر ذا عيب بجناية من أجنبي يضمن جنايته، وأخذت الزّوجة أرشها أو عفت عن أخذه فالأصح أنّ للزّوج نصف الأرش مع نصف العين لأنّه بدل الفائت‏.‏

والثّاني‏:‏ لا شيء له من الأرش كالزّيادة المنفصلة‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّ الزّيادة المنفصلة الّتي حدثت بعد الإصداق كثمرة وأجرة تسلّم للمرأة، سواء أحدثت في يده أم يدها لأنّها حدثت في ملكها، والطّلاق إنّما يقطع ملكها من حين وجوده لا من أصله، ويختص الرجوع بنصف الأصل‏.‏

وأمّا الزّيادة المتّصلة كالسّمن وتعلم صنعة فلا يستقل الزّوج بالرجوع إلى عين النّصف بل يخيّر الزّوجة فإن أبت رجع إلى نصف القيمة بغير تلك الزّيادة‏.‏

وإن سمحت أجبر الزّوج على القبول ولم يكن له طلب القيمة‏.‏

وإذا تغيَّر الصّداق بالزّيادة والنّقص معاً إمّا بسبب واحد‏:‏ بأن أصدقها شجرةً فكبرت فقلّ ثمرها وزاد حطبها، وإمّا بسببين‏:‏ بأن أصدقها عبداً فتعلّم القرآن واعورّ فيثبت لكلّ منهما الخيار، وللزّوج أن لا يقبل العين لنقصها ويعدّل إلى نصف القيمة، وللزّوجة أن لا تبذلها لزيادتها وتدفع نصف القيمة‏.‏

فإن اتّفقا على ردّ العين جاز ولا شيء لأحدهما على الآخر‏.‏

وليس الاعتبار بزيادة القيمة، بل كل ما حدث وفيه فائدة مقصودة فهو زيادة من ذلك الوجه، وإن نقصت القيمة‏.‏

وقالوا‏:‏ وإذا أثبتنا الخيار للمرأة بسبب زيادة الصّداق أو للزّوج بنقصه أو لهما بهما لم يملك الزّوج النّصف قبل أن يختار من له الخيار الرجوع إن كان الخيار لأحدهما، وقبل أن يتوافقا إن كان الخيار لهما وإن قلنا الطّلاق يشطّر الصّداق نفسه‏.‏

وهذا الاختيار ليس على الفور لكن إذا طلبه الزّوج كلّفت الزّوجة اختيار أحدهما، ولا يعيّن الزّوج في طلبه عيناً ولا قيمةً، لأنّ التّعيين يناقض تفويض الأمر إليها بل يطالبها بحقّه عندها، فإن امتنعت من الاختيار لم تحبس ونزعت منها العين، فإن أصرّت بيع منها بقدر الواجب، فإن تعذّر‏:‏ بيع الجميع وتعطى الزّائد، وإن استوى نصف العين ونصف القيمة أعطي نصف العين‏.‏

ومتى استحقّ الرجوع في العين استقلّ به‏.‏

ومتى وجب الرجوع بقيمة المهر في المتقوّم لهلاك الصّداق أو غيره أعتبر الأقل من قيمة المهر يومي الإصداق والقبض‏.‏

42 - وذهب الحنابلة إلى أنّ من أقبض الصّداق الّذي تزوّج عليه ثمّ طلّق زوجته قبل الدخول بها ملك نصف الصّداق قهراً، كالميراث إن بقي في ملكها بصفته حين العقد بأن لم يزد ولم ينقص، ولو كان الباقي بصفته النّصف من الصّداق مشاعاً أو معيّناً من متنصّف‏.‏ ويمنع ذلك بيع - ولو مع خيارها - وهبة أقبضت، وعتق، ورهن، وكتابة، لا إجارة وتدبير، وتزويجٌ‏.‏

فإن كان المهر قد زاد زيادةً منفصلةً رجع الزّوج في نصف الأصل والزّيادة لها، ولو كانت ولد أمة‏.‏

وإن كانت الزّيادة متّصلةً - وهي غير محجور عليها - خيّرت بين دفع نصفه زائداً وبين دفع نصف قيمته يوم العقد - إن كان متميّزاً، وغير المتميّز له قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفة من العقد إلى القبض‏.‏

والمحجور عليها لا تعطيه - أي عن طريق وليّها - إلّا نصف القيمة‏.‏

وإن نقص المهر بغير جناية عليه خيّر الزّوج - جائز التّصرف - بين أخذه ناقصاً ولا شيء له غيره وبين أخذ نصف قيمته يوم العقد إن كان متميّزاً، وغير المتميّز يوم الفرقة على أدنى صفة من العقد إلى القبض‏.‏

وإن اختاره ناقصاً بجناية فله معه نصف أرشها، وإن زاد من وجهٍ ونقص من آخر فلكلّ الخيار، ويثبت بما فيه غرضٌ صحيح وإن لم تزد قيمته‏.‏

وإن تلف المهر أو أستحقّ بدين رجع في المثليّ بنصف مثله، وفي غيره بنصف قيمة المتميّز يوم العقد، وفي غير المتميّز يوم الفرقة على أدنى صفة من العقد إلى القبض‏.‏

ولو كان المهر ثوباً فصبغته، أو أرضاً فبنتها، فبذل الزّوج قيمة الزّائد ليملكه فلا ذلك‏.‏ وإن نقص المهر في يدها بعد تنصفه ضمنت نقصه مطلقاً‏.‏

وما قبض من مسمّى بذمّة كمعيّن إلّا أنّه يعتبر في تقويمه صفته يوم قبضه‏.‏

وجوب مهر المثل

هناك حالات اتّفق الفقهاء على وجوب مهر المثل في بعضها واختلفوا في البعض الآخر‏.‏ أوّلاً - التّفويض

43 - التّفويض ضربان‏:‏

أ - تفويض بضع‏:‏

وهو الّذي ينصرف الإطلاق إليه، والمراد به‏:‏ إخلاء النّكاح عن المهر بأن يزوّج الأب بنته المجبرة بلا مهر‏.‏

أو يزوّج الأب غير المجبرة بإذنها بلا مهر‏.‏

أو يزوّج غير الأب كأخ موليّته بإذنها بلا مهر، سواء سكت عن الصّداق أو شرط نفيه، فيصح العقد، ويجب به مهر المثل عند جمهور الفقهاء‏.‏

وقد دلّ على هذا قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ رفع سبحانه الجناح عمّن طلّق في نكاح لا تسمية فيه، والطّلاق لا يكون إلّا بعد النّكاح، فدلّ على جواز النّكاح بلا تسمية‏.‏

وروي أنّ ابن مسعود سئل عن رجل تزوّج امرأةً ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتّى مات فقال ابن مسعود‏:‏ لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدّة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال‏:‏ «قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منّا مثل ما قضيت به»، ولأنّ القصد من النّكاح الوصلة والاستمتاع دون الصّداق، فصحّ من غير ذكره كالنّفقة، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه‏.‏

ب - تفويض المهر‏:‏

والمراد به جعل المهر إلى رأي أحد الزّوجين أو غيرهما كأن تقول لوليّها‏:‏ زوّجني على أنّ المهر ما شئت أو ما شئت أنا، أو ما شاء الخاطب، أو فلان‏.‏

وللفقهاء فيما تستحقه المرأة من الصّداق في نكاح تفويض المهر خلاف وتفصيل، ينظر في ‏(‏تفويضٌ ف / 5 وما بعدها، ومفوّضة‏)‏‏.‏

ثانياً - فساد تسمية المهر

44 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه إذا فسدت تسمية المهر - كما لو تزوّجها على ميتة أو دم أو خمر أو خنزير - يجب مهر المثل‏.‏ وهو مذهب الحنابلة، فقد قال الرحيباني‏:‏ كل موضع لا تصح فيه التّسمية، أو خلا العقد عن ذكر المهر يجب للمرأة مهر المثل بالعقد، لأنّ المرأة لا تسلّم إلّا ببدل، ولم يسلّم البدل، وتعذّر رد العوض فوجب بدله كبيعه سلعةً بخمر‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن أصدقها ما لا يجوز ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنّه يفسخ قبل الدخول وبعده‏.‏

والثّانية‏:‏ - وهي المشهورة - أنّه إذا عقد بذلك فسخ النّكاح قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل‏.‏

وهل فسخه على الاستحباب أو الوجوب ‏؟‏‏.‏ قولان‏.‏

ثالثاً - فساد النّكاح

45 - صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّه لا تصح التّسمية في النّكاح الفاسد حتّى لا يلزم المسمّى، لأنّ ذلك ليس بنكاح، إلّا أنّه إذا وجد الدخول يجب مهر المثل لكن بالوطء لا بالعقد‏.‏

وأضاف الشّافعيّة‏:‏ أنّ المعتبر في إيجاب مهر المثل هو يوم الوطء ولا يعتبر يوم العقد إذ لا حرمة للعقد الفاسد‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ ما فسخ من الأنكحة بعد البناء ولا يكون فساده إلّا لعقده، أو لعقده وصداقه معاً، فيجب المهر المسمّى للمرأة إن كان حلالاً، أمّا إذا لم يكن في العقد مهر مسمّىً كصريح الشّغار، أو كان حراماً كخمر فيجب مهر المثل‏.‏

وقالوا‏:‏ يسقط كل من المسمّى ومهر المثل بالفسخ قبل الدخول ولو كان العقد مختلفاً فيه، وكذا بالموت إن فسد النّكاح لصداقه مطلقاً أو فسد لعقده واتّفق عليه كنكاح المتعة، أو اختلف فيه وأثّر خللاً في الصّداق كالمخلّل، فإن لم يؤثّر فيه كنكاح المحرم ففيه الصّداق إلّا نكاح الدّرهمين فنصفهما واجب عليه بالفسخ قبل الدخول‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجب مهر المثل بوطء ولو من مجنون في نكاح باطل إجماعاً كنكاح خامسة أو معتدّة‏.‏

رابعاً‏:‏ الوطء بشبهة

46 - ذهب الفقهاء إلى وجوب مهر المثل للموطوءة بشبهة كمن وطئ امرأةً ليست زوجةً ولا مملوكةً يظنها زوجته أو مملوكته‏.‏

وأضاف الشّافعيّة والحنابلة أنّه إذا وطئ مراراً بشبهة واحدة أو في نكاح فاسد لم يجب إلّا مهر واحد، ولو وطئ بشبهة فزالت تلك الشّبهة ثمّ وطئ بشبهة أخرى وجب مهران‏.‏

خامساً - الإكراه على الزّنا

47 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب مهر المثل عند إكراه امرأة على الزّنا وقيّد الحنابلة وجوب مهر المثل بما إذا كان الوطء في القبل‏.‏

وقالوا‏:‏ يتعدّد المهر بتعدد الإكراه على الزّنا بمكرهة كلّ مرّة، لأنّه إتلاف فيتعدّد بتعدد سببه، ولو اتّحد الإكراه وتعدّد الوطء فالواجب مهر واحد‏.‏

وقال المالكيّة - في المشهور عندهم -‏:‏ المكره على الوطء يحد، وعليه فإذا أكرهت امرأة رجلاً على الزّنا بها فلا صداق لها، وإن أكرهه غيرها غرّم لها الصّداق ورجع به على مكرهه‏.‏

ووجوب مهر المثل بالزّنا هو مقتضى مذهب الصّاحبين القائل بعدم وجوب الحدّ على المكره بالزّنا إذ لا يخلو الوطء بغير ملك اليمين عن مهر أو حد‏.‏

ويقول أبو حنيفة وزفر‏:‏ أنّ من أكره على الزّنا بامرأة بما يخاف التّلف فزنى فعليه الحد، وبناءً على هذا القول لا يتصوّر وجوب المهر أصلاً‏.‏